|
واشنطن وعلى أي حال, فان التواضع كان من ابرز الصفات التي ركز عليها بوش خلال حملته الانتخابية للفوز بالرئاسة عام 2000 , ولكن شنابيل كان يعلم تماما المدى الذي وصلت إليه النقاشات الساخنة حول بروتوكول كيوتو , والحرب على العراق, والملاحظات المثيرة للجدل التي أدلى بها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد, والتي قسم فيها أوروبا إلى قديمة و جديدة , وهي أمور رسخت صورة الولايات المتحدة على أنها القوة العظمى غير المستعدة للاستماع للآخرين, والتي ترغب في ان تكون زعيمة للغرب, لا شريكة له. لقد بذل شنابيل جهودا كبيرة لتحسين علاقات بلاده مع أوروبا حيث زار الدول ال 25 جميعها, القديمة منها والجديدة في الاتحاد, ثم عاد الى واشنطن ليبلغ بوش انه لم يعد كافيا العمل بشكل مباشر مع دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا, وليلفت نظره الى انه حان الوقت للتعامل الجدي مع الاتحاد الأوروبي كمؤسسة قائمة, كما حاول إقناع كبار مسؤولي البيت الأبيض انه من الأفضل ان يدرك بوش هذه النقطة قبل المجيء الى بروكسل. ونجحت الخطة, رغم أن الانقسامات عبر الأطلسي خلال الفترة الرئاسية الأولى لبوش لم يتم التغلب عليها تماما, لكنها بدأت تتلاشى خلال الفترة الثانية من حكمه. والدليل على ذلك, نتائج الانتخابات الألمانية التي لم تعكس ذلك الاستياء الذي عبر عنه الألمان حيال حرب العراق كما حصل عام 2002 , والدعم الأميركي للجهود التي تبذلها دول الترويكا ( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لمعالجة الملف النووي الإيراني, والتعاون الذي أبداه الطرفان في انتصار الثورة البرتقالية في أوكرانيا. وشنابيل, الهولندي المولد, الذي حصل على عمل بعد وصوله إلى الولايات المتحدة بساعة عندما كان في العشرين من عمره, ألف كتابا حول أهمية العلاقات الأميركية الأوروبية, وعن ضرورة استمرار الولايات المتحدة بدعم سياسة الاندماج مع أوروبا من اجل الحفاظ على مصالحها الحيوية. ووصف ستو ايزنستاد,وزير الخزانة السابق, والمرشح الأوفر حظا لخلافة شنابيل في مركزه كسفير للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي الأربعاء الماضي الكتاب بأنه حلقة دراسية, وأفضل ما كتب عن الاتحاد الأوروبي حتى الآن . ورأى ايزنستاد ان الآخرين لا يتفهمون الاتحاد الأوروبي بما فيه الكفاية, لكنه من أهم المؤسسات في العالم , موضحا بان الكتاب يتحدث عن 25 دولة أوروبية شهدت في ما مضى حروبا طاحنة ولكنها الآن تعمل تحت مظلة واحدة, حيث تجتمع حكومات هذه الدول وتناقش مشاكلها وقضاياها عبر برلمانها المنتخب, ومؤسساتها الدستورية. ويشير شنابيل الى التأثيرات الجغراسية لأوروبا الموحدة, ولدورها الحاسم في وضع المفاهيم الدولية لأمور مثل حماية قاعدة البيانات الخاصة بالمنتجات الصناعية وكميتها وجودتها وغيرها. قد لا يعجب الولايات المتحدة بروتوكول كيوتو لكن الشركات الأميركية تتقيد الآن أكثر بالقواعد الخاصة به لأنها تعلم ان هناك ثمنا للتعامل مع احد اكبر الاقتصادات في العالم ألا وهو السوق الأوروبي. ويقول جيف ايملت الرئيس التنفيذي لشركة جنرال الكتريك تعلم الشركات الأميركية ان القوانين التي يتعين عليها اتباعها تتخذ في بروكسل , فيما ينصح شنابيل الشركات العالمية بفهم الطريقة التي يؤثر فيها الاتحاد الأوروبي على إدارتها لأعمالها. ان اندماج اقتصادات الدول ال 25 المنضوية تحت مظلة الاتحاد الأوروبي منح هذه الكيانات قوة اقتصادية لها أهميتها الكبرى بحيث يفوق إنتاجها المحلي إنتاج الولايات المتحدة نفسه, كما ان المشاريع التجارية والاستثمارية بين هذه الدول تصل الى 3 تريليون دولار في العام. ان القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي لا تُضاهى بوزنه الجغرافي, كما ان نفوذه السياسي بدأ الآن يظهر أكثر من الولايات المتحدة ذاتها في مناطق كثيرة من العالم, كما لا يخفى نفوذه على الصعيد الثقافي. وتشير تقديرات الى ان الاتحاد الأوروبي يوفر مساعدات تنموية تصل نسبتها الى 60% من تلك المقدمة الى الدول المحتاجة في العالم, فيما يذكر تقرير للبنك الدولي ان الاتحاد الأوروبي يعد أكثر الأسواق انفتاحا أمام الواردات من الدول النامية وخصوصا من أفريقيا التي تصدر ما نسبته 85% من منتجات الأغذية الى الأسواق الأوروبية, ويستورد منها بضائع أكثر مما يستورده من دول الثماني مجتمعة. من جانبه يقول جوزف رالستون, القائد السابق لقوات التحالف في حلف شمالي الاطلسي, ناتو, ان شنابيل يحدد بشكل صحيح الأخطار والفرص المتاحة أمام تنامي الدور الدفاعي والأمني للاتحاد, ويشرح لماذا وكيف يمكن لأوروبا وأميركا العمل على تعزيز العلاقة التاريخية بينهما . بالطبع يدرك شنابيل المشاكل التي تواجه الاتحاد الأوروبي, خصوصا الاقتصادية في دول مثل فرنسا وألمانيا وايطاليا فضلا عن القلق الذي يثيره نمو الأقليات الإسلامية فيها, فضلا عن التحديات التي تمثلها الاختلالات الديموغرافية المتمثلة في أطفال اقل وكهول أكثر, محالين الى التقاعد يطالبون بأخذ مصالحهم في الحسبان. يمكن للعلاقات عبر الأطلسي ان تتحسن إذا تخلى الأميركيون عن الغرور الذي يشعرون فيه, والذي يقابله شعور أوروبي بان النموذج الأوروبي هو الأفضل والأكثر حضارة من الرأسمالية الأميركية التي تنفذ عقوبة الإعدام وتفضل ثقافة البندقية في الولايات المتحدة. لقد فتحت قضية اغتيال شاب مغربي للمخرج والفنان الدانمركي ثيو فان غوخ العيون على الأقلية المسلمة التي تعيش في الغرب, كما ان تفجيرات الأنفاق في لندن قد أثارت مشاعر من القلق أيضا, ما يطرح سؤالا حول البرنامج الذي ستتبعه أميركا لتحسين أوضاع المسلمين لديها وإيجاد وظائف لهم وجعلهم يشعرون بهويتهم الأميركية. ان حل المشاكل بين أميركا وأوروبا يكون بالتخلي عن قليل من الغرور, و الرغبة أكثر في التعلم من الآخر وربما هذا هو ما يحتاجه الطرفان, والمستقبل سيظهر ما ستؤول إليه الأمور. |
|