|
ملحق ثقافي
منذ صعود أندريه فالتر إلى خشبة المسرح برفقة حلا،وبإطلالته المريحة وحضوره المحبب أعلن للجمهور أن النصوص المترجمة الى العربية قد مضى على ترجمتها زمن طويل نسبيا،وليس لديه ترجمات غيرها. وأنه سيلقي تلك النصوص بكل سرور،ومن ثم سيلقي أربعة نصوص غير مترجمة وبمرافقة الموسيقا،كي لا يضيع على الحضور شيء-على حد قوله... كما نوه أنه يفضل إطلاق تسمية أغان محكية،لا أشعار على النصوص التي سيقدمها،وهو نوع اخترعه في فرنسا وأطلق عليه: قصيدة-أغنية. بداية إلقاء القصائد كانت مع حلا التي لم يتفاجأ الجمهور بذلك الأداء الحار الذي غلف إلقاءها لنصوص فالتر،والذي أظهرت من خلاله انسجاما وتوافقا كبيرين مع أندريه فالتر الشاعر والإنسان. أما أندريه فالتر الذي بدا منصتا الي إلقاء حلا لقصائده المترجمة بكثير من الرضى والإعجاب،فلقد نجح في شد انتباه الحضور منذ اللحظات الأولى عبر دفء صوته وعمق أدائه وحركات يديه التي كسرت حاجز اللغة وجعلت قصائد فالتر لغة بحد ذاتها لا تعوزها الترجمة. تلك القصائد التي برع في نقلها الى العربية الشاعر أدونيس،وبرعت هي ذاتها في نقلنا الى أجواء مفعمة بالخصوصية،أجواء تفوح منها رائحة السفر والمسافات،فنتذوق خاشعين طعم الرحيل صوب مجاهل العالم وأغوار النفس البشرية. قصائد تعكس خبرة كاتبها أو لنقل منشدها مع تفاصيل الحياة المرهقة، وأشكال الوجع اليومي الخاص ،والألم الإنساني في عالم يتجه نحو الخراب.
قصيدة فالتر المعنونة«طاشكورغان» والتي يتحدث فيها عن جبل في أفغانستان،تشعرك وكأنك على مرمى حجر من ذلك الجبل،بل تحملك الى ما يشبه اليقين أنك عشت هناك في يوم ما. لقد ألقى فالتر قصائده واقفا وقفته الشبابية الجميلة التي غيبت الإحساس بسنواته الخمس والستين،وجعلت من جسده حاضرا بقوة ليشاركه ذلك الإنشاد الجميل،ولنشعر أن كل ما في فالتر كان يلقي على مسامعنا تلك القصائد والأغاني الجميلة. أما النصوص التي ألقاها فالتر بالفرنسية-دون وجود ترجمة-وبمصاحبة الموسيقا كما وعدنا منذ بداية الأمسية،فلقد وضعتنا أمام ما يمكن تسميته: الشاعر المغني،المدرك لخصوصية العلاقة بين الشعر والموسيقا والغناء وفن الأداء.وهو أمر يسعى إليه فالتر دائما حيث اعتاد أن يشاركه الممثلون والموسيقيون في أمسياته رغبة منه في خلق بنية متعددة الأصوات. ولقد وصل الشاعر في أدائه لآخر قصائده غير المترجمة الى مستوى عال من التوحد بين الشاعر المغني وقصيدته الأغنية،ولقد قوبل هذا الأداء بتفاعل كبير من جمهور الحاضرين،وكان الختام الأجمل لتلك الأمسية المميزة. في نهاية الأمسية سألنا الفنانة حلا عمران عن علاقتها مع شعر أندريه فالتر قبل مشاركته الإلقاء،وعن تجربتها مع الإلقاء عامة،فقالت إنها على علاقة مع شعر فالتر منذ ثلاث سنوات،وهي على وجه العموم تستهويها تجارب القراءة سواء كانت قراءات شعرية أو قراءات لنصوص مختلفة،وتجاربها في هذا المجال تتكرر سنويا عبر مهرجان الملاجة،وحاليا تحضر لمشروع جديد في الإطار ذاته. وعن إمكانية الاستفادة من عوالم فالتر لتقديم عروض مسرحية ضمن إطار المسرح التجريبي،قالت حلا إن الموضوع وارد ضمن صيغة تجريبية تشبه مثلا ما تم تقديمه في مسرحية الحلاج التي أخرجتها أمل عمران وشاركت فيها حلا كممثلة. أندريه فالتر في زيارته الثانية لدمشق-الزيارة الأولى كانت مع أدونيس قبل سنوات-ومن خلال أمسيته التي ستبقى في البال طويلا،يزرع في مساء دمشقي بارد دفء القصيدة والحضور والإنسان. |
|