السـيميـائيـات . . مفاهيمها و تطبيقاتها
ملحق ثقافي الثلاثاء 16/1/2007 أدهم شيخو ثمة فلسفات تؤسس التاريخ تأسيساً وهمياً، وثمة علوم أو علم يقلب الوهم ويحيله الى حقيقة. وهذه تستدعي أحياناً من الباحث أو العالم أن يكافح ولو كلفه ذلك الموت.
سعيد بنكراد الناقد والباحث المغربي في كتابه (السيميائيات) يكافح على خطا عالم اللسانيات السويسري (فرناندو دو سوسير) 7581-3191، وعالم اللسانيات الأمريكي (شارل سندرس بورس) 9381-4191، من أجل تزويدنا بمعرفة تساعدنا على فهم أفضل لمناطق هامة من الوجود الإنساني ظلت مهملة لوجودها خارج دائرة التصنيفات المعرفية التقليدية. يعتبر دوسوسير في التقليد الأوروبي أول من بشر بعلم جديد سيأخذ على عاتقه حياة جديدة تمكننا من تحليل مناطق هامة من الإنساني والاجتماعي عبر إعادة صياغة حدود هذه الأنساق وشكلنتها. فاللغة باعتبارها نشاطاً إنسانياً عاماً تتجاوز في كيانها حدود اللسان الذي لا يشتغل داخلها سوى وسيلة ضمن وسائل أُخر لا تقل أهمية عنه: (الإشارات، الطقوس، الرموز، الأمارات..) ولن يكون بمقدورنا والحالة هذه، قصر التواصل على اللسان وحده، فذلك يعني تجاهل وإهمال أنساق أخرى لها دور رئيسي في إنتاج المضامين الدلالية وإبلاغها. فيما كان وفي نفس الفترة التاريخية الفيلسوف والسيميائي الأمريكي (شارل سندرس بورس) ينحت من جهته إنطلاقاً من أسس ابستمولوجية مغايرة تصوراً آخر لهذا العلم سيسمِّيه (السيميائيات) التي لا تنفصل عنده من جهة عن المنطق باعتباره القواعد الأساسية للتفكير والحصول على الدلالات المتنوعة، ولا تنفصل من جهة ثانية عن الفينومينولوجيا باعتبارها منطلقاً صلباً لتحديد الإدراك وسيروراته ولحظاته، فهي باعتبارها تبحث في الأصول الأولية لانبثاق المعنى من الفعل الإنساني، تقتضي في تصوره النظر إليها باعتباراها طرقاً استدلالية يتم بموجبها الحصول على الدلالات وتداولها. وحسب بورس فإن السيميائيات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعمليات الإدراك التي تقود الكائن البشري الى الخروج من ذاته لينتشي بها داخل عالم مصنوع من الماديات يجهل عنها كل شيء. وفي هذا المجال يقترح بورس رؤية فينومينولوجية للإدراك ترى في كل الأفعال الصادرة عن الإنسان سيرورة بالغة التركيب والتداخل. فكل ما يفعله الإنسان، وكل ما يجربه، وكل ما يحيط به، يمكن النظر إليه باعتباره تداخلاً لمستويات ثلاثة. فالعالم يمثل أمامنا في مرحلة أولى على شكل أحاسيس ونوعيات مفصولة عن أي سياق زماني أو مكاني، وهذا ما يشكل مقولة (الأولانية). وتشير هذه المقولة الى الإمكان فقط، فلا شيء يوحي بأن معطياتها قد تتحقق في واقعة ما. فالسعادة مثلاً، قبل أن يكون إنسان سعيداً، لم تكن سوى حالة شعورية محتملة، ويمثل في مرحلة ثانية باعتباره وجوداً فعلياً يأخذ على عاتقه تجسيد الأحاسيس والنوعيات في وقائع مخصوصة وهو ما يشكل مقولة (الثانيانية) وتشير هذه المقولة الى التحقق الفعلي. ثم يمثل أمامنا في مرحلة ثالثة، باعتباره قانوناً، أي باعتبارها مفاهيم تجرد المعطى من بعده المحسوس لكي تكسوه بغطاء مفهومي. وفي هذه الحالة، نكون أمام القانون الذي سيمكننا من التعرف استقبالاً على هذه الوقائع، وهو ما يتطابق مع مقولة (الثالثانية)، وهي التي تجعلنا نؤول سلوكاً ما باعتباره دالاً على السعادة لا التعاسة. ويصوغ بورس هذه السيرورة على الشكل التالي: أول يحيل على ثانٍ عبر ثالث. وعلى هذا الأساس، لا يمكن فهم التصور البورسي للعلامة إلا من خلال استيعاب الميكانيزمات الإدراكية كما تصفها هذه السيرورة إذ لا يشكل التعريف الذي قيده بورس للعلامة سوى الوجه الإجرائي لرؤية فلسفية ترى في التجربة الإنسانية كلها كياناً منظماً من خلال هذه المقولات الثلاث التي تشير الى سيرورة إدراكية غير مرئية، وهي مقولات تعد أصل ومنطلق إدراك الكون وإدراك الذات وإنتاج المعرفة وتداولها. سعيد بنكراد في كتابه (السيميائيات) يدفعنا للتساؤل: الى أي درجة نحن أسارى الايديولوجيا، والى أي درجة نحاول العودة الى الفطرة الأولى..حيث كنا نثغثغ، نهسهس..حيث لا أحد يراقبنا، لا أحد يضعنا في حقائبه على إننا قطط تجارب، فيموت الحلم الذي في أعماقنا..؟! الكتاب صادر عن (دار الحوار) اللاذقية 5002.
|