تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عـــودة الألــمانيّ إلـــى رشــــــده

ملحق ثقافي
الثلاثاء 16/1/2007
رائد وحش

في آخر رواياته « عودة الألماني إلى رشده » يكتب رشيد الضّعيف عن تجربة حقيقية ، عاشها مع الكاتب الألماني يواخيم هلفر الذي التقاه في إطار برنامج « ديوان شرق .. غرب » الذي نظمه معهد غوته « و كان هذا البرنامج يقضي بأن يزور كاتب عربي أو إسلامي برلين لمدة ستة أسابيع ، يجري خلالها نشاطات مع كاتب ألماني ،

ثم يزور الكاتب الألماني بلد الكاتب هذا لمدة ثلاثة أسابيع ، و يجري معه نشاطات مشابهة »و الهدف الأخير من البرنامج هو فتح حوار ثقافي بين الكتّاب ، و تقريب عوالم النصوص المتباينة ، عبر شخوص أصحابها المشكلة التي يبني عليها الضعيف روايته ، هي الخبر الذي يتلقاه كتحذير منذ البداية ، من مدير البرنامج ، بأن زميله الألماني شخص مثليّ . يتوجس الراوي من هذا الخبر ، لكنّه بعد قليل من الوقت ، يعتبر الأمر مسألة شخصية ، و يبادر إلى حيلة ، كي يضمن عدم تحرش زميله به ، و هي تقديم هدية صغيرة على أساس أن صديقته في بيروت هي التي اختارتها ، في إشارة إلى أنه رجل طبيعي . يعمل رشيد الضعيف صاحب « تصطفل ميريل ستريب » على نصٍّ بسيط في بنائه الفني ، يتلاحق جريان السّرد فيه بسلاسة نثريّة ، تجعل من النصّ كتله واحدة ، بلا فواصل ، و هي إحدى مميزات أسلوب الضّعيف ، في كتابة النصّ كجسد متكامل ، أما الشّغل على فنيّات السّرد فينحصر في إطار هذه الكتلة . وروايات الضعيف ، كما يقول شوقي بزيع : «سلسلة متواصلة من المباغتات التي لا تكفّ عن إشعارنا بهشاشة الوجود الأصلي الذي لا يفلح الجسد في ترقيعه و تمويهه . الإنسان عنده تماسك عبر الجلد وحده ، ووظيفة الكتابة أن تكشط عنه ذلك الجلد الخارجي لكي يتبدى شتات نفسه ،هولها ظاهراً للعيان » ضمن هذا الكشط يكشف النص عن عدة مستويات أولها الشخصيّ حيث يلتقي رجلان أحدهما طبيعي و الآخر مثلي ضمن إطار فعالية حقيقية . و الثاني هو المستوى الثقافي حيث يرينا الّراوي أنّه إلى حدّ ما متصالح مع ثقافة الشّرق ( الفحل ) بالمعنى اليومي الاجتماعي و على النقيض الغرب ( المؤنث ) كما هي رؤية بطل « موسم الهجرة إلى الشمال » ، لكنّ الراوي سرعان ما يتجاوز أرخبيل هذه التصنيفات ، ورغم أن الموقف الذي يجابه أصعب من موقف البطل الطيب صالح ، إذ أن الغرب (مخنث ). ،هنا يستطرد تاريخياً ليعرج على ثقافة الغلمان التي كانت سارية في التاريخ العربي . المستوى الثالث . و الذي يتجلى في زيارة الكاتب الألماني يواخيم هلفر إلى لبنان ، و هنا يظهر موقف الراوي المتعاطف مع المثليين بمعنى إنسانيٍّ بسيط، يحترم طبيعتهم العفوية . و من جانب آخر احترام إنجازات حقوق الإنسان الكبيرة في أوروبا . لكنّ هذه الأشياء لا تظهر فوراً ، إنما تتكشّف مع الأحداث الصّغيرة ، و التي تصل إلى الذروة . في تعرف يواخيم هلفر إلى فتاة و الزّواج منها و إنجاب طفل . في هذه الرواية ، كما في سواها ، نرى استمرار الضعيف في مشروعه الروائي القائم على كشف حقيقة داخل النّفس البشرية ، و إماطة اللّثام عن العقد و الأهواء و النّزوات ، و إبراز جماليات الإيروتيكية عبر تجلياتها المختلفة .و من جانب آخر تتضافر اللغة مع الأدوات الأخرى ، فلغة النص نثرية بحتة ، وتعتمد الخطاب اليومي طريقة تعبير . كذلك تحضر السيرة ذاتية بقوّة ، و إن كان الكاتب قد قدمها في « عزيزي السيد كاواباتا » فإنّ سيرته تتسرب بخفة و مرحٍ إلى نصوصه ، بل إن الرّاوي المتكلم يكاد يكون رشيد نفسه باسمه الصريح في بعض الأعمال ، أو في تحويرات أخرى « رشود » أو « أبو الرشد »... .. كأن الرّوائي يحاول جسر المسافة بين حياته و بين نصوصه بحيث تصبح واحدة . الكتاب : عودة الألماني إلى رشده المؤلف : رشيد الضعيف الناشر : الريس للكتب - 6002‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية