تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


شهرزاد تعرض كنوزها

آراء
الاربعاء 17/1/2007
نهلة السوسو

كثر السمار والمحدثون في القرن العشرين وما بعده! وتلطف الله بنا بأن أبقى مفاتيح السمر, والروي والجدل والحوار,

وحتى الثرثرة المدعوة بالفضفضة, بيد السامع والمشاهد! وإذا كنا نندب, نحن الرومانسيين, زمن السكينة الآفل, الذي كان فيه الحكواتي بطل الليالي الطويلة (صائفة كانت أم شاتية) ومجملها بالحكايات وجامع القلوب والأفئدة في مقاهي الحي, ومجالس الوجهاء, فإننا التزمنا الصمت, بعد انفتاح الفضاء, على أخبار أصغر قرية في رياح الأرض, واستسلمنا لسطوة الخبراء والمحللين, وعلوم البحار والتكنولوجيا, والبرامج الوثائقية, والمسلسلات الدرامية إلى أن داهمتنا, محطات الفيديو كليب, وتلفزيون الواقع, وهجنة اللغة, وانبرت الأقلام تحلل وتحذر, وتحاول إيقاف سيول العولمة ومخاطر (الثقافة) الوافدة, ولعلنا ظننا يومها أنها نهاية التاريخ الثقافي على طريقة (فوكوياما), إلى أن اكتمل (النقل بالزعرور) وخرجت إلينا شهرزاد, الراوية الخالدة, التي لم ينافسها منافس في تاريخ البشرية في جاذبية القص, وعلقت كغيرها في فضاءات البث!‏

تتفرد محطة شهرزاد عن كل الفضائيات, التي ما زالت تقارب شؤون البشر, سلباً وإيجاباً, سمّاً وعسلاً, باستحضار الجان, والقرينة وإلقاء اللوم عليهما في عثرات حياة البشر ومعاناتهم, وقد افتتحت العام الجديد في أول أيامه, متجاوزة الدماء العربية الفلسطينية والعراقية, وحصاد عام (بوش), بحوار مع رجل عاثر الحظ, سيىء التكيف الاجتماعي, بادره ضيف البرنامج بالقول: سبب معاناتك وجود اثني عشر خادماً من خدم سورة هود, أما علاجك فبسيط اقرأ سورة الأنبياء, إحدى وأربعين مرة, بعد صلاة الظهر لمدة أربعين يوماً مع وجوب الاعتكاف عن الناس جميعاً خلال هذه المدة, والصوم الكامل عن الطعام والامتناع عن العلاقات الحيوانية (تعفف هنا عن تسمية العلاقات الجنسية), وحين هم الكهل المكتئب بالنقاش أسكتته المذيعة على الفور: لا تتكلم اسمع ما يقوله أبو حسين! واستطرد أبو حسين دون تلعثم: سيظهر عليك (عليك وليس لك) خلال أيام الاعتكاف مارد شيطاني ليطلب منك أشياء فلا ترد عليه, وبعد أن (يفلّ) أي يذهب, سيظهر لك أحد خدام ثلاثة: عبد الله - عبد الباسط - عبد الصمد, ومعه ستة عشر خادماً, يكونون تحصيناً لك! ويشكو المتصل من الشيوخ الذين يضغطون عليه, فيرد أبو حسين مباشرة: اقفل جسمك بآية الكرسي, سبع عشرة مرة كل يوم لينزل إليك سليمان بن عبد الملك, ومعه عشرة آلاف خادم, من خدم الفضل العباس, وإذا كرمك الله فبخادم اسمه قنبر! أما المذيعة, التي لا تميز بين السورة والآية, فكانت مبهورة, ومنتشية بحديث الضيف المكشوف عنه الحجاب, وتواصل الاعتذار من طول المكالمة, تائهة بين الأرقام المذكورة, فيكافئها أبو حسين بالقول إن هذا الرجل لو قام بالخلوة كما يجب, لوصل إلى مرتبة.. (تبقى الجملة معلقة ولا نعرف صفة المرتبة).‏

وتختم بسبحان الله! ثم يتبارى مع المذيعة المحجبة (لزوم الإقناع كما يبدو) في انتقاد المشعوذين! من يصدق هذا? وليزيد البراهين على صدقيته, يتحدث عن إحساسه بوجود عراقي, وسوداني, يحاولان تشغيل الخدم ضده وهو على الهواء, لكنه بحمد الله, كشفهما وأوقف أذاهما!‏

هذه البرامج تبث على شاشة فضائية, في القرن الحادي والعشرين! هذه البرامج توجه إلى المشاهد العربي, بما يعيشه, وما يعاني منه, وتختزل كل واقعه بالمعاناة من العقد والتسليط, والسحر! هذه البرامج تحجز لها ترددات على الأقمار الصناعية, ويدفع لها مليون دولار كمبلغ أولي, وتتداخل فيها اللهجات العربية المشرقية بحيث يصعب تحديد انتمائها كما هو الحال مع باقة M.B.C, وغيرها.‏

وتقول إحدى السيدات باستخفاف: إن البلاد الأوروبية لديها محطات من هذا النوع أكثر منا! لكن حال البلدان الأوروبية ليس كحالنا, في نسبة التعليم يا سيدتي, وليس نفسه, في فرص العمل والثقافة والرفاهية والوعي, وما نسمعه من شهرزاد وقرينتها كنوز, يثير الحفيظة والقلق لأنه ليس مسلياً كحكايات النساء الأميات, اللواتي يعشش الظلام في رؤوسهن, ولا مضحك حين يسلم المتصلون بكل ما يقوله مروج ثقافة خادم سليمان (شاهيناز بن إسرافيل), وكتابة الحجابات على الهواء, ولا ينطوي تحت أكذوبة حرية الرأي, في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل, والسؤال المتوجب ماذا يفعل اتحاد الإذاعات العربية? وكيف تتدخل الرقابة الرسمية وغير المرئية لحجب القبلة من الأعمال الفنية, وتدير ظهرها وتصم أذنيها عن هذا الدخول في عصور الظلام, التي لا تضاهيها حتى الجاهلية? وماذا عن المشرفين على قمر النايل سات, ومتابعتهم لطبيعة المحطات التي يوقعون العقود معها? أم أنه بعد أن وافق على إعطاء الكيان الصهيوني حق البث على إحدى باقاته, وباللغة العربية (كما قيل) قد رفع العتب وزاد العجب?!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية