تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كمائن .. لا تنتظر

كتب
الاربعاء 17/1/2007
أيمن الغزالي

المبدأ والعقيدة التي حكمت حياة (جيمس براي) بطل رواية (ضيف شرف) للكاتبة الجنوب أفريقية (نادين غورديمر)

وهما اللذان أودى بحياته بعد أن وجد نفسه مقسوماً يريد أن يناصر أحد أطراف السلطة المتنازعة في جنوب أفريقيا بعد الاستقلال من الاستعمار الانكليزي, جاء هذا التنازع بعد أن تم تحريف القيم الثورية التي أدت بالأصل إلى استقلال البلاد من الاستعمار إلاّ أن (جيمس براي) الموظف الإداري السابق في الحكومة الانكليزية الاستعمارية,عاد إلى جنوب أفريقية للمشاركة في احتفالات الاستقلال بعد أن تم طرده سابقاً من دولة أفريقية بسبب مناصرته الزعماء القوميين السود في ثورتهم ضد الاستعمار والتمييز العنصري.‏

لم تكن تريد نادين غورديمر مكاناً محدداً لأحداث روايتها (ضيف شرف) نظراً لتشابه النماذج في كل أفريقيا, حيث بنت روايتها على أساس مفهوم التناقض المزدوج, التناقض الداخلي والخارجي, المرتبطين بعلاقة جدلية من التأثر والتأثير الناتجة بالأساس من شكل استعماري ينتج هذا النوع من الأفراد بعلاقاتهم مع الحياة ككل, وهذا ما كان جلياً في الرواية التي اعتمدت الحوار لبناء الدراما الداخلية وليحمل جزء منها ويخلق هذا النسيج القصصي المثير بواقعيته وسحره التخيلي في بلد لا يمكن أن تكون فيه إلاّ سياسياً بحكم واقع الحال.‏

تبدأ الرواية من منتصف الأحداث تماماً حيث تبدأ من اللحظة التي غادر فيها (جيمس براي) لندن إلى أفريقيا للمشاركة في احتفالات الاستقلال وليجد نفسه مناصراً للأهداف الثورية لأفكار (شينزا) المنفي ضد حكم (مويتا) والذي يمثل خيانة لُمثل الاستقلال.‏

يبدأ الصراع جلياً بعد مؤتمر الحزب الذي تم التعبير فيه بشكل واضح عن الإيديولوجيتين المتنافستين (مويتا) و (شينزا) وفي محاولة من (براي) لمناصرة (شينزا) حيث يقرر العودة إلى غالا مكان إقامته ليتسنى له جمع المال لأجل قضية (شينزا) وفي هذه الأثناء يشهد براي صدامات عنيفة بين العمال وقوات الحكومة لكنه في الطريق إلى العاصمة يتعرض لكمين ويُقتل بالنهاية يكون (مويتا) قد استعاد النظام بمساعدة عسكرية بريطانية ويكون (شينزا) في المنفى.‏

يقول مترجم الرواية الأستاذ (عدنان حسن): (إن رواية ضيف شرف تستمد الأفكار والآراء السياسية من رواية فرانز فانون المعذبون في الأرض,هذا التحليل الذائع الصيت للصراع ما بعد الاستعمار والذي نشره لأول مرة عام 1961).‏

اعتمدت الرواية في تكنيكها على الأحداث والحوارات السياسية الداخلية والخارجية والتي تعتمد بشكل حقيقي على واقع عاشته وناضلت فيه, وهذا ما ولدّ التكنيك الروائي فيها من إثارة وتكثيف عال وقوة انفعالية أدت بحياة (البطل براي) قلما تطمح إليها الأعمال الأخرى أو الأجناس الأدبية الأخرى وعلى الرغم من واقعية الروائية زمنياً ومكانياً إلاّ أنها بنيت بطابع تخيلي غير مباشر في محاولة تقديم السرد والحوار, والأحداث من جهة نظر الأبطال وليس من وجهة نظر شخصية وتضمينها تفاصيل عن حياة الناس بأبعادها النفسية والروحية والعاطفية وتطرقت إلى جوانب أخرى في استعمال أدوات الحاضر التاريخي (الزمني) وإشراك القارئ من أجل خلق إيهام كالأفلام السينمائية بالمشاهدة واستراق السمع لكنها ليست رواية تاريخية بالمعنى الكامل, فوالتر سكوت يعتبر نفسه مثلاً مؤرخاً بقدر ما هو روائي, وكتب كذلك كار لايل (الثورة الفرنسية) كروائي أكثر منه مؤرخاً. وتجلى ذلك تأثر غورديمر بمجموعة من الكتاب الليبراليين البريطانيين وبالأخص جماعة (بلومز بيري.. وفورستر) وكذلك تأثرت ب شيخوف وهمنغواي إلاّ أن التأثر الأكبر للكاتبة الأمريكية (يودورا ويلتي).‏

إلاّ أن الكاتبة الجنوب أفريقية نادين غورديمر والحائزة على جائزة نوبل عام 1991 لم تقتصر في نشاطها الأدبي على الكتابة بل شاركت في عدة مرات في الندوات إثر أفول حكم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهي الكاتبة البيضاء, لكنها بالنهاية كانت صاحبة موقف ثابت ومعادٍ لذاك الفصل, متمسكة به رغم امتيازات أبناء جلدتها, وهذا سنجده سبب أساسي في أعمالها الأدبية ومنها رواية (ضيف شرف) التي نتحدث عنها, بطرد كافة مفردات الوجوب المسبق كإملاءات على النص وكأقفاص تسجن الفن وتحد منه , وهذا سبب إضافي في إيمانها بدور الأدب وما يلعبه بجدية داخل حلبة الصراع في الواقع الاجتماعي السياسي ونجد في ذلك امتداداً لم ينته بعد انتهاء الفصل العنصري لتقول: (... لم تنته الأشياء بالنسبة لنا عندما انتهى الفصل العنصري, هنالك الأشياء في موضع التخيل الآن وقابلة لأن يكُتب عنها, إن الكاتب يملك الفرصة والمسؤولية لأن يقول شيئاً ما).‏

شاركت في تأسيس مجلس كتّاب جنوب أفريقيا وأصرت على عدم الخروج باتجاه المنفى الاختياري حتى إبّان ذروة النظام العنصري الأبيض.‏

كذلك تبنت أعمال غورديمر دراسات عميقة حول علاقات السيد بالخادم التي شكّلت ملامح الحياة في جنوب أفريقيا وكذلك تعمقت في وضعية جنون الاضطهاد والجنسي والروحي الخاص بالاستعمار والليبرالية الضحلة والسطحية لمواطنيها البيض أصحاب الامتيازات.‏

بقي أن نذكر أن نادين غوريمر طالبت مؤخراً بجلاء اليهود عن فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني في أرضه حيث قالت في معرض القاهرة الدولي للكتاب في شباط 2005 :(... إني أؤمن بحق الفلسطينيين في أرضهم وأساعد القضية بكل وسعي وأدافع عنها بالفعل وليس بالكتابة فقط, ولا يوجد من يملي عليّ ما أفعله).‏

الكتاب: ضيف شرف‏

الكاتبة: نادين غورديمر‏

الناشر: دار الحوار/2006‏

القطع الكبير:558 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية