|
أمراض المجتمع أبو آراء, سوري مثل كل السوريين , شخص مسالم لا يزعج أحدا, شعاره ( الحيد الحيط ويارب السترة), كل ما يحصل في الدنيا لا دخل له به , لكن من المتوقع أن تنفجر مرارته فجأة لأنه لم يستطع يوما أن يبدي رأيه بشيئ, فهو يخشى أن يعطي رأيه بشيء فيتعكر شعره الذي حافظ عليه طوال حياته. الخوف من ابداء الرأي, ثاني أخطر أمراض المجتمع السوري بحسب الاستبيان الذي نشرته الثورة في6/ 12/ 2007 وهنا لن ندخل بماذا نخاف من ابداء الرأي? فالأهم بالنسبة لنا هو كيف يمكننا أن نبدأ باعداد جيل لا يخاف من اعطاء رأيه لنصل الى مجتمع يؤمن بحرية الرأي وقبول الآخر. الرأي ثقة بالنفس أختصاصية علم نفس الاطفال السيدة رنا بيتموني صاحبة ومديرة المدرسة الوطنية السورية تقول: (( كي نصل الى مجتمع قادر على ابداء رأيه دون خوف, يجب أن نبدأ من اعطاء الفرصة للطفل بالتعبير عن نفسه وعن آرائه وتعزيز ثقته بنفسه, وهذا ما أحاول تكريسه لدى الاطفال الذين أتعامل معهم من خلال حثهم على التعبير عن رأيهم أمام أساتذتهم ولهم الحرية في ابداء اي رأي مهما كان جارحا أو سخيفا, فالمهم أن يشعر الطفل أن لرأيه أهمية وبأنه ليس مهمشا ولا نكرة وانما له وجوده وكيانه, ولرأيه أهمية مهما كان بسيطا, وهنا لا بد من العمل على التغلب على حالات الخجل التي تعيق من تقدم الطفل علميا أولا, وتجعله غير قادر على المواجهة ثانيا, وبالطبع عدم قدرته على المواجهة ستحد من قدرته على ابداء رأيه, وهنا أريد أن أنوه الى أمر هام ألمسه شخصيا عند بعض أولياء الامور, بأنهم يعتبرون ذلك وقاحة من طفلهم وأن الطفل المؤدب هو الطفل المنقاد لآراء أهله في كل شيئ وهذه قضية أخرى نحاول علاجها مع الأهل لأن خوف الطفل من أباه سيصبح خوفا من أستاذه ومن ثم خوفا من صاحب عمله وخوفا من أي سلطة أعلى منه وبالتالي سيصبح فردا غير قادر على ابداء رأيه وبالتالي غير قادر على الابداع لأن الرأي يعبر عن ثقة بالنفس والثقة هي أولى مفاتيح الابداع)). الاستماع للآخر ثقافة الحوار التي يفتقدها الطفل في المنزل ويفتقدها في المدرسة ويفتقدها في المجتمع بشكل عام, تشكل مفصلا رئيسيا في امكانات التعبير الحر عن الرأي وقبول رأي الاخر, وهنا توضح السيدة فادية البحري مديرة مدرسة نور الفجرأن تعليم الطفل كيف يتحاور, وكيف يستمع الى اراء الاطفال الاخرين, والتي تكون معاكسة لرأيه ومختلفة عن رأيه, وكيف يحترمها ويناقشها, من هنا يبدأ الطفل بالاحساس بأهمية رأيه ورأي من حوله وتعزز هذه العملية من خلال الأسئلة والأجوبة بين مدرس الصف والتلاميذ ولأن الطفل لا يعرف الا الصدق نستطيع ان نعرف من خلال السؤال الذي يطرحه أو من جوابه نقاط القوة والضعف في شخصيته وفي معلوماته وفي طريقة تفكيره, وبالتالي نعزز النقاط القوية ونحاول أن نقيم أو نصحح نقاط الضعف بأسلوب تدريجي دون أن نجرح الطفل أو نشعره بأنه يرتكب خطأ ما, ومن خلال هذه الاسئلة والاجوبة ينشأ الحوار وهذا الحوار هو الذي سيؤدي بالنهاية الى خلق حالة النقاش لدى الطفل ومنها الادلاء برأيه, وأعتقد أننا اذا اتبعنا جميعا هذا الاسلوب نستطيع أن نبني جيلاً لديه الثقة بنفسه والقدرة على ابداء رأيه وقبول رأي الاخر, ولكن الموضوع يحتاج الى زمن وجهد متكاتف بين مختلف الجهات القائمة على التربية, والتعليم. لنفهم عالمه أولا الاختصاصية النفسية اسماء الزيبق تؤكد على ضرورة الحوار مع الطفل كنقطة انطلاق لتشجيعه وحثه على ابداء رأيه وعدم الخوف منه فتقول : (( الطفل عالم قائم بذاته, ولابد أن نتعامل معه بجدية وليس كدمية, يجب أن تترك له الحرية باختيار ملابسه بنفسه وألوانها كتدريب على ابداء رأيه, أن يسمح له الاهل باختيار ألعابه بنفسه فمنذ عمر مبكرة يبدأ تدريب الطفل على ابداء رأيه وعدم الخوف من الافصاح عنه, ويشكل المرشد النفسي للطفل صدى لصوته, يعطيه الثقة ليتكلم, ويكسر حاجز الخجل, حتى يبدأ الطفل بالتعبير عن نفسه بصراحة وصدق وهذا الصدق والصراحة هي بداية الطريق للوصول الى النتائج التي نخطط الوصول اليها, فهناك مقولة نفسية تقول بأن الطفل مثل الليمون الحامض ويجب أن أصنع منه شرابا حلوا, وكي نحصل على هذا الشراب الحلو والذي سيتمثل بالمستقبل بشخص مستقل ذي شخصية مستقلة لا يهاب أن يجاهر بآرائه, يكمن الحل بالتعاون بين الاسرة والمدرسة بذلك نستطيع ان نصل الى نتيجة من خلال مجموعة من الخطوات تبدأ بأن نشجع الطفل على قول الحقيقة والصدق مهما كانت عواقبها لأن الصراحة تلين القلب فمن خلالها نستطيع ان نعرف ماذا يخفي في داخله, ولكي نفهم عالم الطفل لا بد من : 1. يجب ان نتعلم الصبر على الطفل وان نبني معه روابط عاطفية لانها تعطينا ردود فعل ايجابية وتشعره بالسعادة 2. يجب الا نضخم العوائق التي تقف بوجه عملنا مع الطفل مهما كانت ونتمسك بتفاؤلنا باننا سننجح في النهاية 3. ان نبتعد عن اسلوب التأنيب الدائم للطفل الا بالمواقف الضرورية جدا لان ذلك من شأنه اضعاف شخصيته وبالتالي احجامه عن التعبير عن رأيه . 4. الا نظهر للطفل تشاؤما من المستقبل لأننا يجب أن نعطي الطفل التفاؤل وبأنه قادر على التغيير حتى نخلق لديه الحافز للحياة وللنجاح وبالتالي لأن يمتثل اراءه الخاصة 5. عدم ذكر عيوب الطفل امام الاخرين. 6. توضيح الاسباب التي جعلتنا نرفض طلبه أو رأيه وليس فرض هذا الرفض عليه دون نقاش. لا للقمع وتوافق السيدة رمزية الزغبي مديرة مدرسة الشهيد جاد الله شنان والتي قضت أكثر من عشرين عاما في السلك التدريسي, وترى أن تقدم لنا أسلوبها الخاص في حث التلاميذ على ابداء رأيهم مهما كان بسيطا فهي تتعامل في مدرستها مع اطفال بين الصف الاول والصف الرابع وترى أن في هذا العمر يملك الأطفال جرأة كبيرة ويستطيعون التعبير عن انفسهم بشكل جميل, وتستمر معهم هذه الحالة بشرط الا نقمعهم, فالقمع يمنع الطفل من التعبير عن نفسه, وتخلق لدية حالة خوف من كل شيء وبالتالي نخسر هذه الجرأة وتصعب علينا اعادتها, والصراخ في وجه الطفل ايضا يجعله يخشى التعبير عن نفسه. تقول السيدة الزغبي : ((نعطي الفرصة لتلاميذنا في كل يوم بكسر حاجز الخجل من خلال الاذاعة المدرسية, فكل يوم بعد تحية الصباح نختار تلميذاً ليلقي على رفاقه خطبة الصباح التي يكون قد اختار موضوعها بنفسه منذ اليوم السابق, والتي غالبا ما تتركز على قضية نظافة المدرسة وأداء الواجبات المدرسية واحترام المعلم ومحبة الاصدقاء... الخ , فلا يمر العام الدراسي الا ويكون جميع التلاميذ تقريبا قد حصلوا على هذه الفرصة, بما فيهم المجتهد والكسول, الجريء والخجول, وهذه العملية من شأنها زيادة ثقة التلميذ بنفسه لأن مدرستهم كلها استمعت لهم, وكذلك جميع مدرسيهم ومديرتهم. أيضا طرح الدرس على شكل مشكلة بحاجة الى حل واشراك التلاميذ باعطاء ارائهم حول هذا الحل من شأنه أن يكسر حاجز الخوف لدى الطفل ويعطي اهمية لرأيه مهما كان صغيرا ويأتي دور المدرس بتنبيه التلاميذ بطريقة غير مباشرة على عدم الاستهتار باراء بعضهم البعض وعد الاستهزاء بها, وقبولها كما هي, وهذا من شأنه أن يمهد لاحقا لقبول الرأي الاخر المختلف عن رأيهم والاستماع اليه, واحترامه, الأمر الاهم هو تعاون الاسرة معنا, وقد لا حظت فارقا واضحا بين الاسرة فيما مضى والاسر الحديثة, فاليوم غالبية الأهل من فئة مثقفة ومتعاونة جدا مع المدرسة اضافة الى انها اسر مقتنعة بضرورة اعطاء الطفل حقه بالتعبير عن رأيه والاستماع له.)) تأهيل المدرس قبل تأهيل التلميذ يرى المدرس شاهين منصور أن الخطوة التي يجب أن نبدأ بها هي تأهيل المدرسين على كيفية التعامل مع الطلاب في مراحلهم العمرية المختلفة كي يستطيع بعدها أن يكسب ودهم واحترامهم دون خوف وليكون قادرا على استخراج ما عندهم من قدرات ومميزات ويحثهم على التعبير الصريح عن آرائهم ورأى بأننا اذا بدأنا من مدرسة وأسرة تسمح بابداء الرأي وتحث عليه سنصل في نهاية المطاف الى جيل كامل لا يخاف من التعبير عن رأيه. mouzonm@gmail.com |
|