|
عن موقع :Le grand soir وهذا سيؤدي إلى فقدان الشعب الليبي لبوصلة ثورته وثروته وسيشهد أوضاعاً مأساوية تحاكي الأوضاع التي يعيشها حالياً الشعب العراقي والأفغاني .» وفي الوقت الحالي أصبحت هذه الأوضاع المأساوية واضحة وضوح الشمس , تصفية حسابات , تعذيب , عنف عرقي , فساد على نطاق واسع , ميليشيا مدججة بالسلاح أفرادها من المتمردين السابقين على نظام القذافي والآن نقلوا بندقيتهم ووجهوها ضد بعضهم البعض , قبائل تطالب بالحكم الذاتي , سلطة مركزية عاجزة , شركات نفطية أجنبية تضخ النفط غير مكترثة بالشعب الليبي , تلك هي صورة ليبيا بعد التدخل العسكري فيها . خلال الفترة الممتدة من 27 حزيران المنصرم إلى مطلع شهر تموز , أوقعت المواجهات بين القبائل الليبية المتنازعة 47 ضحية بالإضافة إلى المئات من الجرحى في جنوب شرق ليبيا . وفي الجنوب الغربي , وبالتحديد في مدن مزداح وشقيقة أدى القتال بين قبائل الزنتان والمشاشية إلى مقتل 10 أشخاص والمئات من الجرحى . وقبل ذلك في نيسان من عام 2012 شهدت مدينة الزوارة على بعد 80 كم من العاصمة طرابلس مواجهات دامية بين مجموعات مسلحة . ولم تكتف تلك الميليشيات المسلحة ( أكثر من مئة جماعة في العاصمة وحدها ) بالاقتتال فيما بينها , بل فرضت القتل والرعب على كامل الأراضي الليبية , خاصة وأن اتجارها بالسلاح والكحول ينتهي إلى تصفية حسابات دموية فيما بينهم . وقد كتب في هذا الصدد باتريك حايمزادة . الدبلوماسي الفرنسي السابق يقول «تملك كل ميليشيا حيها , وقد فرضوا اقتصاد عنف حقيقي . هناك تجارة الكحول والسلاح والاتجار بالصراعات على مناطق النفوذ . الأمر الذي ينتج عنه تصفية حسابات , بحيث تتوفر جميع المقومات المؤدية إلى حرب أهلية .» وفي آخر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية حول ليبيا تقول فيه المنظمة « عقب مرور عام على الثورة الليبية , صارت الميليشيات ذات السلوك الفوضوي ترتكب انتهاكات فظيعة » ومن خلال هذا المنظور عملت ميليشيات مصراتة والزنتان على « طرد جميع السكان الطوارقة من مناطقهم والبالغ عددهم 30000 شخص , وقاموا من ثم بنهب وحرق بيوتهم رداً على الجرائم التي اتهموا الطوارقة بافتعالها أثناء الثورة . بينما أرغمت جماعة الزنتان أفراد قبيلة المشاشية على ترك قراهم .«وهذا ليس سوى غيض من فيض عن تلك الجرائم وعن تلك المواجهات التي تشتعل بين القبائل والميليشيات وأسياد حرب آخرين . وعلى الرغم من تلك الحرب ( حرب الجميع ضد الجميع ) يتدفق النفط الذي تنتجه الشركات الأجنبية بكميات هائلة , حيث عاد لمستوى إنتاجه الذي كان عليه قبل حرب الناتو على ليبيا . وضمن هذا السياق , أصبح العنف والفوضى , بكل معانيه السيئة جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطن الليبي الذي وعده الناتو بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وغيرها الكثير . في وقت يعمل المجلس الانتقالي الليبي ليس فقط على التغاضي عن تلك الجرائم بل يعمل على تشجيعها . ولذلك أصدر هذا المجلس الانتقالي في الثاني من شهر أيار قانوناً حمل الرقم 38 القاضي بتأمين الحماية للمسؤولين الذين يرتكبون هذه الانتهاكات في حال كان هدفهم نشر أو حماية الثورة. ولا بد أن الجميع لمس أن التدخل العسكري الامبريالي عمل على تفتيت وحدة الشعب الليبي . ففي شهر آذار الماضي أعلن إقليم برقة , الذي يضم ثلث الأراضي الليبية , ويتركز في أراضيها معظم موارد النفط والغاز استقلاله الذاتي . ويرأس المجلس المؤقت فيه الأمير أحمد الزبير السنوسي حفيد الملك ادريس السنوسي . وقبيل بضعة أيام من الانتخابات على المجلس التأسيسي التي جرت في السابع من تموز المنصرم شهدت تلك المنطقة الواقعة في شرق ليبيا حوادث عنف . ففي مطلع تموز قام مسلحون بنهب مكاتب المفوضية العليا للانتخابات في بنغازي احتجاجاً على تقاسم المناصب في المجلس التأسيسي المقبل والذي كان من المفترض انتخاب أعضائه في السابع من الشهر نفسه . وطالبوا بأن يخصص لأقليم برقة عدداً من المقاعد يعادل عدد أعضاء ثلثي باقي المناطق , أي العاصمة في الغرب وإقليم فزان إلى الجنوب . وفي السادس من الشهر قام شبان بحرق صناديق خاصة بالانتخابات في مدينة أجدابيا , كما وقتل موظف من مفوضية الانتخابات , حيث كانت مروحيته التي تنقل الصناديق هدفاً لنيران أسلحة خفيفة . وفي السابع من الشهر لقي شخص معارض للانتخابات مصرعه في تبادل لإطلاق النيران في أجدابيا . وقد دعت برقة وكذلك التوبو ( في جنوب البلاد من أصل أفريقي ) إلى مقاطعة الانتخابات . كما وتطالب البربر والتوبو والتواريج الاعتراف بثقافتهم ولغتهم الخاصة , ويخيم التوتر على علاقاتهم مع القبائل العربية المهيمنة والتي يحتكمون إلى السلاح في خلافاتهم معهم ويسقط نتيجتها المئات من القتلى . والخطر الحقيقي الكامن هو تفتيت الدولة الليبية والبناء الهش من خلال إقامة كيانات مستقلة عن السلطة المركزية تهيمن عليها قبائل تتصارع فيما بينها , وتلك جميعها هي النتيجة المباشرة للتدخل الامبريالي المباشر . أما النتيجة الأخرى المباشرة للتدخل العسكري الغربي في ليبيا هو تقسيم مالي . نظراً لأنه لولا غزو الناتو لليبيا وفرضه مجلساً انتقالياً , لم تستطع الحركة الوطنية لتحرير الزواد وحلفائها الإسلاميين من احتلال شمال مالي . وأصبح احتلال الأراضي الشاسعة لمالي ممكناً عبر تواطؤ الولايات المتحدة وفرنسا وتابعيهم المحليين المتجمعين تحت لواء المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا ( إيكواس ) وكان مصدر الأسلحة القادمة إلى المهاجمين الذين احتلوا ثلثي الأراضي المالية هو الترسانة الليبية . وتوفر قطر التي ساهمت في الحرب على ليبيا والتي تدعم إلى جانب السعودية المعارضة السورية الدعم المالي , تحت غطاء مساعدات إنسانية للحركات المسلحة الناشطة في شمال مالي « ويقول ديالو سادو عمدة مدينة غاو « إن الحكومة الفرنسية تعلم بدعمها الإرهابيين . وهناك قطر , على سبيل المثال ترسل ما تدعوه مساعدات ومواد غذائية كل يوم إلى مطار غاو وتومبوكتو ..الخ « ولكن ما لم يفهمه عمدة غاو هو أن فرنسا التي تطالب بتدخل عسكري في مالي تعمل يداً بيد مع قطر تحت قيادة الولايات المتحدة والذين بدورهم يعملون باسم حلف شمال الأطلسي وبامرة القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا ( أفريكوم ) وهذه القيادة سمحت ليس فقط بمواجهة الوجود الصيني في أفريقيا وإنما أيضاً وضع اليد على الثروات النفطية والمعدنية في القارة السمراء . وضمن هذا الإطار العام ينبغي وضع التدخل الغربي الامبريالي في ليبيا وامتداداته إلى مالي . ويجدر الإشارة أن التدخل العسكري الغربي في ليبيا أدى إلى مقتل آلاف الضحايا , وتدمير البنى التحتية الاقتصادية للبلاد , هذا بالإضافة إلى تفتيته وحدة ليبيا . وقد فرضت الولايات المتحدة وتابعيها من الأوروبيين على الشعب الليبي وبالقوة سلطة لا تتمتع بأي شرعية , وإنما يكفيها أنها خاضعة لتلك القوى الغربية . وبالتالي , صار الآن بإمكان البرجوازية الغربية , الممثلة بشركاتها , الأشبه بمصاصي الدماء ضخ النفط الليبي بكل أمان . ولأن هذه القوى لا تعرف الشبع , فقد وضعت ضمن أهدافها الاستيلاء على منطقة الساحل الأفريقي بأسره من خلال استغلال استياء الشعوب لتهميشها من قبل الأنظمة الحاكمة القائمة. ويذكرنا تدمير ليبيا بتدمير يوغسلافيا والعراق وأفغانستان وساحل العاج ودول أخرى . وفي الوقت الراهن تسعى الدول الغربية بمساعدة حلفائهم المحليين ( قطر والسعودية وتركيا ) إلى تدمير سورية من أجل فرض سلطة تدور في فلكهم . وعلى هذا النحو , تعتبر جميع الدول التي تفتقر للوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها أهدافاً للقوى الغربية . ويرتبط ممارسة هذا العنف اللامحدود بشكل وثيق بأسس النظام الرأسمالي الرامي فقط إلى تضخيم أرباحه بكل الوسائل المتاحة . ولا شيء يمكنه إيقاف جماح هذه الأقلية في استغلالها للأكثرية في جميع أنحاء العالم، واستخدام كافة أشكال القمع والقسوة دون حدود للوصول إلى غاياتها . وهذا يدعونا إلى التأكيد أن المقاومة والكفاح من أجل تدمير الرأسمالية ينبغي أن يكون عالمياً . |
|