|
مســــــرح بنبرة واحدة وصوت واحد وكلام واحد، في وقت واحد، فيرددون كلمة أو جملة من كلمات البطل، ويعبرون عن ضمير البطل أو عن الضمير الجمعي، أو يطعمون المسرحية بحكمة أو شعر أو نبوءة، فندمج الجوقة مع الحالة العليا للمسرحية حتى نحسبها هي والمسرحية (واحد) وبرغم أن أفراد الجوقة متعددون، لكن الجميع يتعامل معها باعتبارها (فرد) لكن اسمها (جوقة). برصانة شديدة، وبطرح قوي للرؤية التي تقولها (الجوقة)، ينطلق الصوت من أحد جوانب المسرح فيشد الجميع، بصوت يبدو كأنه يخاطب الأبدية، صوت قادر على المكاشفة والمصارحة والاستبصار والمواجهة. في كلاسيكيات المسرح التقليدي، تجاوزت الجوقة دورها الدرامي، وأصبحت أداة كشف، كلمات راسخة متزنة تخبرك وكأنها يقين اليقين. قديماً كانت الأساطير تلهث من أجل اكتشاف الكون، ووضع التصورات الأولى لنشأة البشرية، في وقت كانت الفلسفة تشق طريقها إلى النور، لتفسير سر الحياة والموت. مع تطور فن المسرح تطورت الجوقة أيضاً، وأصبحت تؤدي دوراً حياتياً، مشتبكة مع الحياة وتجلياتها في سياق الدراما المسرحية، كأن تتدخل مثلاً في سير الأحداث، أو تحرف مسار البطل. يمكن اعتبار الرقص هو جذر فن المسرح، ويقول التاريخ إن الاحتفالات كان تقام في الطرقات، حيث يتجمع العامة حول العروض الراقصة، وهؤلاء العامة يمكن أن نطلق عليهم (الجوقة)، والراقصون يمكن أن نطلق عليهم الممثلين، وعادة ما يتم ارتداء الأقنعة في تلك العروض والتي كانت تستخدم أيضاً في الطقوس الدينية. كانت الدولة في تلك الحقبة تكلف أحد الممولين لرعاية الجوقة، وكان لكل جوقة ممول يتحمل كافة المصروفات، من أجور تدريب الكورس وتوفير الأعضاء للجوقة. وكان بإمكان كل مواطن حر أن يشارك في الجوقة، وعلى كل فرد منها اطاعة أوامر الممول الذي يمثل سلطة الدولة. وقد قام أرسطو فانيس بنفسه بتدريب الكورس، ويسند مهمة تعليم الكورس إلى معلم محترف ولأن أعضاء الكورس مواطنون هواة فالبروفات تبدأ مبكراً. في المسرح الاغريقي كان يقوم بكل الأدوار ممثل واحد هو الشاعر نفسه، ويلجأ إلى خيمة قريبة ليغير ملابسه وقناعه بما يتفق مع سمات الشخصية الأخرى بينما أفراد الجوقة يستمرون في الرقص والإنشاد ثم يعود إليهم ليناقشهم عما قالته الشخصية السابقة أو يعارضها أو يرثي لها وهكذا حتى تنتهي المسرحية. وأصبح من الممكن أن يقوم الممثل الأول بدور البطل أو الإله، وتقوم الجوقة بدور الرعايا أو الجنود أو يكونوا عبيداً أو أتباعاً، وأصبح من الممكن وجود حوار بين الممثل والكورس مع احتفاظ الكورس بدوره الأصلي كراو للقصة، وكان هذا الحوار بين الممثل والجوقة هو المظهر المميز للدراما المسرحية الاغريقية. كان دور الممثل في المسرحيات المبكرة ثانوياً، وطلعت الجوقة هي الشخصية الرئيسية. وما تزال الجوقة تحتل عند كثير من المسرحيين العرب والسوريين، مكانة خاصة يحملها الكاتب أو المخرج. |
|