|
كــتب بدأت تظهر على الساحة النقدية العربية بشكل مكثف وواضح, مقالات ونصوص للنقاد الذين يمثلون الفكر النقدي الجديد, أو حركة النقد الجديد في فرنسا, من أمثال رولان بارت, تودوروف, لوسيان غولدمان, ليف شتراوس, لويس ألتوسير, جاكبسون, الشكلانيون الروس, جاك دريدا وغيرهم. وقد كانت هذه الحركية قد تمَّت عبر مقالات مؤلفة أو نصوص مترجمة, فعلت بها مختلف المجلاَّت المهتمَّة بالشأن الثقافي والأدبي, مثل مجلة “فصول” في القاهرة, و مواقف, الفكر العربي, الفكر العربي المعاصر, الكرمل, الثقافة الجديدة, آفاق في المغرب, و القلم و الفكر والحوليات التونسية, الحياة الثقافية أيضاً في تونس, والمعرفة والموقف الأدبي والآداب الأجنبية في دمشق. وقد كانت هذه المقالات المظهر الأوَّل للتواصل مع النقد الجديد, حيث عكست من خلال تعدد أوجه مضامينها, التي تراوحت بين التقديم والعرض, وبين التطبيق على نصوص شعرية و قصصية و روائية, عن النزعة الجديدة في الفكر النقدي العربي. وكان من أبرز من أسهم في هذه الكتابات:كمال أبو ديب, محمد بنيس, صلاح فضل, عبد الكريم حسن, يمنى العيد, موريس أبو ناضر, إلياس خوري, حسين الواد, محمد مفتاح , عبد السلام المسدي, عبد الفتاح كليطو, خالدة سعيد, شربل داغر, محمد برادة. ويبدو أن أقدم مقالة تعرضت للتعريف بالحركة النقدية الجديدة في فرنسا هي المقالات الثلاثة التي كتبها محمود أمين العالم في جريدة «المصور» القاهرية عام 1966, حيث تناول فيها الحديث عن حركة النقد الأدبي في فرنسا, مشيراً إلى ثلاثة تيارات ضمن المنهج البنيوي هي: 1- التيار الشكلي و يمثله كل من ليف شتراوس ورولان بارت.2- التيار الاجتماعي و يمثله لوسيان غولدمان 3- التيار النفسي عند شارل مورون. واستناداً إلى تصور محمود العالم يرى أن مجمل الكتابات التي ميزت مرحلة السبعينيات قد كانت في استلهامها للنموذج النقدي الجديد تراوح بين الانبهار, و بين المسعى التوفيقي. وقد تواصلت هذه السيرورة لتتوسَّع بشكل واضح خلال مرحلة التسعينيات, ويعود ذلك إلى تطور وسائل الاتصال والنشر, التي سمحت بالاطلاع بصورة أكمل على الإنتاج النقدي الأوروبي والعربي, وظهور مؤلفات متخصصة بعد ما أسهم خريجو الجامعات من الأكاديميين في التصدي للتأليف ونشر النظريات النقدية الجديدة. وقد تميزت في هذا المجال خلال فترة الثمانينات والتسعينات «مجلاَّت» عملت على التعريف بالنقد الجديد ومكوناته, ومن أهم وأبرز هذه المجلات(فصول) التي صدرت في القاهرة عام 1980, و «علامات» التي بدأ صدورها في جدة عام 1991, و مجلة «آفاق» التي تصدر في المغرب. ثمَّ يرى د- عمر عيلان أنَّ حركة ترجمة النصوص والكتب النقدية والمتعلقة بالنقد الجديد والاتجاه الشكلاني والبنيوي عموماً ساهمت في إغناء المكتبة العربية, ووضعت أمام الباحثين والدارسين مجموعة هامة من الأفكار والنظريات والمنهجيات النقدية, التي كان لها تأثيرها الواضح على توجهات النقد العربي المعاصر عموماً والنقد الروائي تحديدا. و قد اتبعت حركة الترجمة نفس المسار الذي سلكته سيرورة التعريف بالاتجاهات الفكرية والنقدية المعاصرة عموماً والشكلانية وحركة النقد الفرنسي الجديد على وجه الخصوص. فأغلب الكتب التي صدرت في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات تحديداً, غلب عليها استلهام النقد المتأثر بتيار النقد البنيوي, ثمَّ النقد البنيوي التكويني, فالنقد النفسي. ومن هنا تبرز أهمية حركة الترجمة في إحداث واقع نقدي جديد. على إن الحركة الترجمية خضعت في مجملها للانتقائية مثل اختيار كتب لكبار النقاد من أمثال بارت, و تودوروف, و غولدمان, وجينيت. وهناك ملاحظة خطيرة في مجال الترجمة النقدية كما يقول د- عمر عيلان وهي قضية المصطلح النقدي, الذي جعل من ترجمة الأعمال النقدية والنظريات والمناهج, تفتقد إلى الدقة والعمق في استيعاب المفاهيم واستقبالها وتمثلها وتطبيقها, حيث إن السبب الرئيسي يعود إلى الاستخفاف بأهمية المصطلح, والوعي بأهمية الاتفاق حول جوهره الفلسفي والنظري, و من ثمَّ جانبه الإجرائي. ثمَّ يستغرق الكاتب في بحثه فيرى أنَّ النقد العربي قد عرف حقل الدراسات النفسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, بظهور دراسة طه حسين عن أبي العلاء المعري سنة 1914, وكذلك دراسة عباس محمود العقاد أيضاً عن أبي العلاء سنة 1916, ودراسته اللاحقة عن ابن الرومي و أبي نواس, وما كتبه محمد النويهي عن بشار ابن برد سنة 1951, وما كتبه سنة 1953 عن أبي نواس في كتابه «نفسية أبي نواس».على أن البُعد الجدِّي العلمي للنقد النفسي كانَ ظهرَ مع صدور كتاب«دراسات في علم النفس الأدبي» لحامد عبد القادر 1949. وما تلاه من دراسات قام بها باحثون متعددون وعلى رأسهم محمد خلف الله. ومن ثم كتابات مصطفى سويف, مصري عبد الحميد حنورة, شاكر عبد الحميد, روز ماري شاهين. بعد ذلك يأخذ د- عمر عيلان على النقد الأدبي في العالم العربي بأنه تلقَّى تأثيرات المناهج التحليلية النفسية, وتواصل معها بصيغ متنوعة تتباين في استيعابها وتقبلها للاستنتاجات والخلاصات المنهجية. وإذا كان جانب التنظير لم يتسع بالقدر الكافي الذي يسمح بتوفير تراكم معرفي في مقاربة الرواية العربية, فإن المجال التطبيقي قد كان له الحظ الأوفر من الاهتمام والمعاينة قصد السعي لتطبيق التجارب والنظريات بصور متباينة, تتجاذبها مستويات تلقٍ خاضعة لدرجة الاستيعاب والفهم لحقيقة التحليل النفسي. وإذا حاولنا إجراء تصنيف للأعمال النقدية التي تناولت الرواية كموضوع لتطبيق منهجية النقد النفسي, فإننا نصطدم بصعوبة التمييز الواضح بين مختلف الكتابات والدراسات. ومرد ذلك يعود بالأساس إلى أنها لا تلتزم بالخصوصية المنهجية الواضحة في الإشارة إلى المرجعية المعتمدة, أو أنها تقيم تداخلاً بين مجموعة مفاهيم لحقوق معرفية متنوعة, أو لا تلتزم بنسق متجانس من الأطروحات النظرية.وأمام هذه الحال يتعذَّر على الباحث إقامة تصنيف دقيقٍ وفيٍ لمسار الدراسات, التي تمثل التوجهات الأساسية للنقد النفسي في النقد الروائي العربي. وتكمن الصعوبة في الضبط الدقيق للخصوصيات المنهجية للنقاد الذين درسوا النص الروائي العربي, من منطلق نقدي وليس من منطلق علاجي, لأنهم يزاوجون بين منظورات نقدية ومقاربات منهجية مختلفة. بعد بحثه في النقد النفسي يذهب الكاتب إلى«النقد البنيوي التكويني» أو البنيوية التكوينية فيعتبر أنها توجُّه نقدي حاول أن يبلور رؤية دقيقة, تساعد القارئ على فهم وتفسير الأدب, في ضوء منهج يحاول أن يجمع بين مختلف العناصر المشكلة النصوص, سواء أكانت هذه العناصر بنيوية داخلية أم عناصر بنيوية خارجية ترتبط بالحياة الاجتماعية,انطلاقا من مقولة أن اللغة وعاء يستقطب الحياة الاجتماعية بجميع مكوناتها, سواء أكانت الحياة واقعية معيشة أم متخيلة. و يأخذ في هذا المجال ما كتبه محمود أمين العالم و حميد لحمداني و سعيد علوش. إذ يعد محمود أمين العالم من النقاد العربي المتميزين باهتماماتهم المتفتحة على الحركة الثقافية العالمية, و المنظرين الأساسيين للنقد الأدبي الاجتماعي في العالم العربي.. أما حميد لحمداني فقد شكلت كتاباته النظرية والدراسات التطبيقية محطة هامة في مسار النقد العربي المعاصر إذ تحررت من هيمنة منهج وحيد يتخطى الساحة النقدية و هو المنهج البنيوي. غير أن كتابات سعيد علوش خاصة في كتابه «الرواية والإيديولوجيا في المغرب» فإنه سعى إلى تحليل المكونات السوسيوتاريخية التي أنتجت النصوص الروائية , كما أن دراسته ارتكزت على تحليل النص الروائي بوصفه تمثيلا لبنية المجتمع, وانعكاسا للحركة التي تميزه. الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون منشورات الاختلاف. بيروت |
|