|
منوعات لأنها لا تترك خلف خطاها سوى الخراب، فيما تنشد الأحلام المبثوثة في متن الكتابة إيقاظ شهية البناء، وتجميل صورة الحياة، وتلوين وجه الكون بخطوط الفرح والبهجة، الأزمات الكبرى التي تستعر على إيقاع الحروب تحد من الخيال وتحبس العقول بسلاسل من الوقائع المدمرة وبغير الخيال وانتعاش العقل تصبح الكتابة ضرباً من تمارين الإنشاء التي لا تمتلك سوى المفردات الباردة، والجمل المعلبة التي تلفظها المشاعر ويطردها القلب عن عتباته ولا يستغيثها الذوق فما جدوى النص الذي يدير ظهره لمشاعر البشر وينأى بنفسه عن قلوبهم، ولا يقيم أي حساب لأذواقهم! لا وقت لأحد الآن في هذا الجحيم الذي تحرقنا لياليه، وتؤرقنا همومه، وتدمينا قسوته، لا وقت لأحد كي يبحث عن الكاتب والكتابة، فوقت الجميع معلق على أجنحة الخبز، من أي اتجاه جاء مصدره، وبأي لسان نطق مروجوه، خبر اليوم وخبر الأمس وخبر الغد، هو ما يلهث خلفه الجميع، مزوراً كان ومختلقاً أو صادقاً وأميناً، وفي دوامة الأخبار ونقائضها من سيجد لديه الشهية للاستمتاع بنص إبداعي أو كتابة تنبض فيها الأحلام، مادامت الوقائع الخطرة تحيط به من كل الجهات، ويقتفي أثر أخبارها من صبحه إلى ليله الطويل، وعلى مدار الأيام، لا وقت لأحد الآن كي يسأل كاتباً عن مشروعه، وعن أدوات الإبداع لديه، ماذا يفعل بها الآن، وكيف يقاسي معها حنينها للحبر والورق، وهل سيعثر من جديد على فرصة أخرى للحلم حين تهدأ دورة الخراب وتتبدد روائح الموت ويكتشف الناس من جديد معنى الحب والألفة، ومعنى المواطنة التي اعتكر صفاؤها حتى كادت تلتبس على من عاش عمره مواطناً، وأحب في سنواته وأيامه من أحب، وتآلف مع من تآلف، وعصمته قرباه من كل السوريين، من أن يسقط في معصية قطع رحمه مع أي سوري، هذا الكاتب وهذا المواطن وهذا السوري حتى النخاع، متى سوف يخرج من دوامة الغبار ليكمل رؤياه، وحين سيخرج هل سيلقى الحياة التي انقطع عنها لأكثر من ستة عشر شهراً حياة ممكنة، أم حياة معدلة، أم حياة أخرى يصعب عليه رسم ملامحها الآن. نحن الذين سوف نتغير، أم الحياة هي التي سوف تتغير بفعل الوقائع القاهرة، نحن الذين سوف نبني من جديد ونحلم ونكتب ونسترد مشاعر الناس وقلوبهم وأذواقهم أم إن رياح الهدم سوف تأخذ وقتاً أطول مادام اليقين فينا قد اهتز ومادامت العقول قد ضيعت قواعد قانونها الطبيعي ومادامت الغريزة وحدها سيدة هذا الوقت وإذا كان هذا هو شأننا حتى اللحظة فإلى أين سوف تذهب سورية؟ وإلى أين سوف تأخذنا في مركبها؟ وماذا يفعل الآن كتابها ومثقفوها وفلاسفتها ومؤرخوها وتجارها وفتيانها ونساؤها وشيوخها وعشاقها ورجال الدين فيها، حتى مارقوها وخونتها ماذا يفعلون الآن جميعاً؟ هل يئسوا من بلسمة جراحها وإيقاظ روحها من هذه الغفلة التي تكاد تسلبها زهوة الحياة، أم إنهم يتفرجون على شريط درامي دموي أصبح فيه صوت السلاح أقوى من كل الأصوات، هل يصدق أحد في الكون أن وطناً يملك كل هذا التاريخ من الإبداع والحوار وتنظيم الاختلاف، لم يعد يجد سبيلاً إلى الحوار بين أبنائه إلا بكل صنوف السلاح! |
|