تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القدس...ومحاولات تهويد الذاكرة الفلسطينية

شؤون سياسية
الأربعاء 8-8-2012
حسن حسن

تهويد القدس أي الاستئثار اليهودي بهذه المدينة، إنما يعني في النظرة الصهيونية العنصرية التقليدية إلغاء القدس بوصفها أرضاً مقدساً ورمزاً دنيوياً وسماوياً مشتركاً بالنسبة للأديان السماوية والتطرف الصهيوني لايعتبر التهويد مكتملاً إلا عندما ينجز الغاء الطابع الكوني لبيت المقدس، بشراً ومعالم وتاريخاً وذاكرة للإنسانية جمعاء.

غلاة الصهاينة الأكثر تشدداً وتزمتاً بالمعنيين السياسي والتلمودي لايعتبرون التهويد مكتملاً متحققاً إلا باقتلاع المسجد الأقصى لإعادة بناء «الهيكل» مكانه بالضبط فسياستهم مبنية على إعادة بناء هذا الهيكل المزعوم ولها على الدوام وجهان أساسيان:‏

الأول:هو التطهير العرقي باقتلاع المقدسيين وتهجيرهم مسيحيين و مسلمين والذين يزداد عددهم رغم ذلك نظراً للنمو الديمغرافي الاستثنائي للمقدسيين المسلمين خاصة، أما الوجه الثاني للتهويد فيتمثل باعتماد أشكال متنوعة من الإغراءات والتسهيلات ومن مظاهر الترغيب لاستقدام المزيد فالمزيد من اليهود للإقامة في القدس بهدف مواجهة ذلك النمو السكاني العربي المقدسي من جهة ومن جهة أخرى لمواجهة هجرة اليهود والمعتدلين والعلمانيين من القدس، بعدما بات تعايشهم مع المتطرفين المتزمتين أمراً مستحيلاً عليهم.‏

مشروع التهويد هذا يتضح اليوم أكثر فأكثر بكونه تهويداً عملياً صريحاً نهائياًكاملاً لكل الضفة الغربية وللقدس تحديداً لأن الحكومة الإسرائيلية التي يتحكم بخياراتها وقراراتها مجلس «يشع» أي المستوطنون بالذات تملي إرادتها وقراراتها بشكل طاغٍ على اللوبي الصهيوني «الإيباك» في الولايات المتحدة وتحدد له الخيارات والمواقف، وهذا اللوبي يمارس بدوره تأثيراً حاسماً على الحكومة الأميركية التي ترخي بثقلهاالحاسم على موقف وقرارات الأمم المتحدة وهكذا أصبح مجلس «يشع» أي المستوطنون هو الفاعل الأساسي في توجيه سياسة «إسرائيل» والتأثير الفعلي بالتالي على مجرى السياسة العالمية وعلى هذا فإنه لمن السذاجة بمكان ومن قبيل التبسيط المأساوي للنتائج ليس إلا أن يستسهل أمر إزالة المستوطنات أو تجميد مايعتبره الصهاينة حق نموها الطبيعي المزعوم بمجرد مطالبة«إسرائيل» بذلك لفظياً والاكتفاء بالإصرار على هذه المطالبة وحسب.‏

العملية السلمية التي بدأت في مؤتمر مدريد عام 1991 كانت مبنية على مبدأ الأرض مقابل السلام لكنها أصبحت مع حكومات شارون ونتنياهو المتزمتة مرفوضة تماماً ليحل محلها فرض الاستسلام تحت عنوان السلام مقابل السلام فقط و هذا من دون أي ذكر أو تعهد بالتخلي عن أي شبر من الأراضي المحتلة في كل أرض فلسطين والتي يعمل على ضمها إلى «إسرائيل».‏

مشروع التهويد هذا لايحيا إلا على فرض الاستسلام ولاسيما أن عملية السلام تطالب «إسرئيل» -أولاً: بإزالة المستوطنات من الضفة الغربية وهذه مسألة ترفضها «إسرائيل» رفضاً قاطعاً وعلى لسان نتنياهو بالذات وسائر القيادات الإسرائيلية بل يجسد نتنياهو هذا الرفض القاطع بتوسيع المستوطنات القائمة وبناء المزيد والمزيد منها، وفي القدس خاصة فالضفة الغربية إنما هي بحسب عقيدة هذا التطرف «يهودا والسامرة» بالذات أي أرض «إسرائيل» الحقيقية الأصلية بزعمهم فكيف يجوز لإسرائيل أن تنسحب من أرضها وفق عقيدتهم؟!‏

-ثانياً العملية السلمية تطالب «إسرائيل» كذلك بالتخلي عن القدس أي القدس العربية لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ماتزال تصر على اعتبار القدس العربية هي أورشليم ذاتها القديمة الأصلية وتعلنها عاصمة «إسرائيل الأبدية» ولذا فهي تتابع قضمها وتهويدها حياً حياً وبيتاً بيتاً، ذلك أن الأحياء الغربية في القدس لم يبنها اليهود إلافي بدايات القرن العشرين المنصرم.‏

-ثالثاً: العملية السلمية تطالب «إسرائيل» أيضاً بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم عام 1948، هذه مسألة تعتبرها حكومات إسرائيل جميعها من رابع المستحيلات سياستها في هذا الخصوص هي توطين الفلسطينيين أينما يوجدون وليس عودة أي منهم على الإطلاق.‏

رابعاً: وأخيراً العملية السلمية تقول بالحل على أساس دولتين: قيام دولة فلسطينية مقابل دولة«إسرائيل» القائمة وهو مايعتبره التطرف الصهيوني من رابع المستحيلات كذلك. وعندما برز إلى العلن الضغط الأميركي على نتنياهو في هذا الصدد، اضطر إلى القول لفظاً ليس إلا بدولتين لكنه ربط ذلك بالشروط التعجيزية المذكورة أعلاه،مضيفاً إليها شرط القبول والاعتراف الفلسطيني والعربي والدولي بيهودية دولة«إسرائيل» وهذا مايؤدي حكماً إلى طرد واقتلاع فلسطينيي 1948 من دولة «إسرائيل» بكونهم غير يهود. إذ إن وجودهم داخل «إسرائيل» يناقض يهوديتها المزعومة.‏

علامَ يقول حقاً وصراحة هذا الجبروت الذي يطبع سياسة نتنياهو؟ لنكن صريحين هنا ولنكف عن خداع أنفسنا المستمر عقوداً وعقوداً، إنه يستند خاصة إلى سلاح بالغ الفعالية وهو انعدام مواجهة حقيقية تعترض سبيله، وهي المواجهة التي لايمكنها إلا أن تكون عربية بدءاً ومن حيث الأساس فمادمنا مكتوفي الأيدي ننشد الغيث من صلاة استسقاء الآخرين فعبثاً نرتجي نزوله لن تقوم قائمة حقيقية لأي دور، ولالأي سعي آخر إذا لم يستند إلى حضور الدور العربي المفقود.‏

على العرب جميعاً وعلى المسلمين في سائر بلدانهم وعلى المسيحيين قاطبة أن يدركوا أن إنقاذ المسجد الأقصى من المخطط الصهيوني الجهنمي، إنما الآن وقته وليس فيما بعد على الجميع أن يدركوا بأنه كما أحرز التطرف الصهيوني و«إسرائيل» المزيد من النجاح والتقدم في سياسة الإجهاز الكامل على الشعب الفلسطيني وعلى الضفة الغربية، كلما ازداد الخطر الفعلي على المسجد الأقصى الوقفة أوانها الآن وليس غداً، ليس، ليس أبداً عندما تضع «إسرائيل» العالم أمام الأمر الواقع....‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية