|
ثقافة لقد كفّر الخوارج الأوائل الإمام عليّ (ع)، ومعاوية، ورأوا أنّ اغتيال ثلاثة من البارزين الفاعلين، على الساحة الإسلاميّة آنذاك، سوف يحلّ تلك الأزمة، واتّفقوا على اغتيال عليّ، ومعاوية، وعمرو بن العاص، في ليلة واحدة، ولم ينجحوا إلاّ في اغتيال عليّ، وسارت السّلطة في اتّجاه، وظلّوا على تشدّدهم، وكانوا مشهورين بتلاوة القرآن، وقيام اللّيل، والصّيام، حتى ليُضرب المثل ببعضهم في هذا، بيد أنّ هذا لم يرافقه عقل بحجم التّعبّد، يتحاور مع معطيات العالم، وتطوّراته، فظلّوا أسيري تلك الرؤية المتشنّجة، وسأورد حادثة مشهورة عنهم، سبق أن رويتها في ثمانينات القرن الماضي، حين فعل جماعة الأخوان بعض مايفعلونه اليوم، لأدلّل على التفكير الضيّق عندهم، وعلى إساءتهم للإسلام الذي يدّعون أنّهم ممثّلوه الأوحدون، تقول الحادثة، وأنا أرويها من الذاكرة، أنّ (خارجيّاً) سار في فلاة واسعة، والشمس مُحرقة، وأصابه عطش شارف فيه على الهلاك، حتى تشقّقت شفتاه، وأيقن بالهلاك، ولاحتْ له على البُعد أشجار، فخفّ مسرعاً إليها، وحين وصلها استبشر بالنّجاة، وقد شاهد الثمار دانية، ولكنّه لايجيز لنفسه أن يقطف ثمرة دون اخذ إذن صاحب البستان، وبدأ يبحث عنه، فشاهد، وهو يبحث، رجلاً ومعه امرأة تُمسك صبيّاً بيمينها، والحمْل باد في أحشائها، فنسي عطشه، وفطن إلى عقيدته، فاقترب من الرّجل، ربّما ظنّاً منه أنّه يؤدّي حقوق اللّه،!! وسال الرّجل: «هل أنت من شيعة (عليّ)»، قال الرّجل: «بلى واللّه»، قال الخارجيّ: «واللّه لئن لم تتبرّأ منه لأقتلنّ هذا الغلام»، وأشار إلى ابنه، قال الرّجل: «أقتلْه»، فقتله، وعاود المساومة، فهدّد الخارجيُّ ببقر بطن المرأة الحامل، إن لم يستجب لما طلبه منه، وظلّ ذلك الرّجل على موقفه، فأغمد الخارجيّ السيف في بطن المرأة، فقتلها هي ومَن في بطنها، وعاد لمُساومة الرّجل، فوجده لم يتزحزح، فقتَلَّه، وراح يبحث عن صاحب البستان ليستأذنه في قطْف ثمرة يبلّ بها ريقه، العقل الذي يجيز لنفسه أن يقتل أربعة أنفس، بسبب الخلاف في العقيدة، ولا يتناول ثمرة إلاّ بإذن صاحبها، هو ذات العقل الذي تواجهه هذه الأمّة على أيدي التّكفيريين الوهّابيين، مَظهر إسلامي، وربّما التزام بأداء الواجبات الدّينيّة، إنْ وُجد، واستحلال لدماء العباد التي حرّمها اللّه تعالى، وهم يعرفون الحديث النبويّ «لَهدْم الكعبة حجراً حجراً أهون عند اللّه من إراقة دم بريء»، يعرفونه ويرون أنّ مَن يريقون دماءهم ليسوا من الإسلام في شيء، فنصوصهم الوهّابيّة تقول بتكفير كلّ من ليس وهّابيّاً، ولذا فإنّهم لايشعرون بأنّهم يستبيحون دماء مسلمين، أو غير مسلمين أبرياء، بل كلّ مايرونه أنّهم يطبّقون مفهومهم للجهاد، وتكفيرُ الآخرين لايقتصر على مذاهب محدّدة، بل هم يكفّرون المالكيّة، والأحناف، والشافعيّة والحنبليّة، أمّا أصحاب الطّرق الصّوفيّة فهم عندهم أئمّة في الكفر،!! - 2 - كان الخارجيّ حين يذهب للقتال يبحث عن الموت، موقناً أنّه ذاهب إلى الجنّة، وما قيمة هذه الحياة الدّنيا عند نعيم الآخرة الدّائم، وهو يعرف ألَم الجراح، وما تخلّفه السيوف في الجسد، ولكنّ هذا ألم لايُذكر إذا قورن بنعيم الجنّة، لذا كان بعضهم حين يرى رماح العدوّ مُشرعة وموجّهة، كان ينطلق بقوّة باتّجاهها، ويُلقي بجسده على الأسنّة، طلباً للموت، ويردّد الآية الكريمة: «وَعَجِلْتُ إليكَ ربّي لِترضى»، يقذف بنفسه بما يُشبه الانتحار، ويعتبر ذلك قربة للّه عزّ وجلّ، العقليّة ذاتها نجدها لدى الوهّابيّين التّكفيريّين، ففي بداية حركتهم التي طبخها الإنكليز، وأشرفوا عليها، وكانوا حاضرين بقوّة في مجالسهم حين نفّذوها،.. هذه الحركة أقنعتْ بسطاء النّاس، من بدو (نجد) وما حولها، وقالوا لهم إنّ مَن يموت في سبيل هذه الدّعوة، سيجد قصره في الجنّة بانتظاره، بما فيه من حور عين، وولدان مخلّدون، وكلّ حوراء هي ابنة خمسة عشر، تظلّ عليها لاتزيد،!! ياسبحان اللّه أليس في اختيار هذه السنّ مايكشف عن أمراض نفسيّة بالغة الخطورة عند مَن أقنعوا النّاس بما اختلقوه؟!! الخارجيّ يُلقي بنفسه في عمليّة تخلُّص من أرباق هذه الحياة، والوهّابي، كان عندما يُصاب أحدهم بجرح يمنعه عن المسير، يُبادره أقرب وهّابيّ واقف بقربه بطعنة خنجر، مُسرّاً بأذن (الصّويب) وهو يلفظ آخر أنفاسه قائلاً: «لاتنساني عند ربّك يافلان، أسرع للقاء ربّك واحجز لي عنده بيتاً في الجنّة»، فيردّ المطعون، وهو يلفظ آخر أنفاسه، قائلاً: «هل تريد البيت مْخُومَسْ أو مْسُودَسْ»،- تاريخ آل سعود ص69- والمخومس من بيوت الشعر هو ماكان له خمسة أعمدة ترفعه، والمسودس بأعمدة ستّة، وهكذا تصبح الجنّة بيوت شعر، وإبل سارحة، وأغنام راتعة،!! - 3 - لاشكّ أنّ مثل هذه العقليّة، وخاصّة حين ننظر إلى المجازر التي ارتكبتْها، وإلى العقليّة الضيٌّقة التي تحملها، فإنّنا نجزم أنّ هؤلاء لن يكون من اهتماماتهم (الديموقراطيّة) التي فلقوا دماغنا بها، وإذا كانوا دعاة ديموقراطيّة فلماذا لايطبّقونها حيث يُطْبِقون على الحكم، ليكونوا نموذجاً في ذلك؟!! الأغرب في مواجهة هذا الصّنف من الأفكارأن تجد من يُوسَم باتساع المعارف المعاصرة، وهو من دعاة التّحرّر، والتّعدّديّة، والانفتاح على منجزات العالم وعلى تجاربه المتراكمة، ولا يرضى بأقلّ من رتبة (علمانيّ)، ومع ماهو عليه، تجده وقد أقام حلْفاً مع أصحاب هذه الدّعوات التكفيريّة الضيّقة، المذهبيّة الحاقدة، تُرى من يضحك على الآخر فيهم؟!! هل يلجأ الوهّابيّون التكفيريّون، و(الإخونجيّون) لجرّ من ليسوا دينيّين إلى صفوفهم ليقولوا للنّاس، ولدول الخارج، هانحن شكّلنا جبهة من جميع ألوان الطّيف السوري، أمّ أنّ هؤلاء الذين لاوزن لهم على الأرض، وليست لهم تلك الشعبيّة المميّزة، ولاتلك التّنظيمات النّاضجة،.. هؤلاء يستكملون نواقصهم بالاتّكاء على قوى تكفيريّة ظلاميّة، وكلاهما يظنّ أنّه يخدع الآخر، فمن الخادع والمخدوع؟!! أنا أعرف أنّ ثمّة مَن يقول بالتّحالف مع الشيطان من أجل إسقاط (النّظام) وهذه عقليّة لاتختلف عن عقليّة أبو المْخومَسْ، والمْسُودَسْ، إلاّ في الأداء اللفظي، وصياغة الأفكار التي قد تبدو أنّنا لانختلف فيها، لقد قيل قديماً: «شبيه الشيء منجذب إليه»، فما هو وجه التّشابه بين هذه القوى الظّلاميّة، وأولئك الذين يدّعون أنّهم من أهل التّنوير؟!! التّشابه الوحيد الأوسع هو الحقد، والكيديّة، وكلا المزيّتين لاتُبنى الأوطان بهما، خاصّة وأن طول الأزمة، لم يترك سرّاً، فالأوراق مكشوفة، فإلى متى يختبيء، أو يَخْتِل البعض وراء جمل منمّقة، وأفكار مكرورة؟!! t «_blank» aaalnaem@gmail.com |
|