|
كــتب
كتاب الفكر العربي المعاصر دراسة في النقد الثقافي المقارن تأليف اليزابيث سوزان كساب صدر حديثاً عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ويتناول الكتاب في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير اتجاهات الفكر العربي ولكننا سنقف عند جانب واحد يتعلق بنوال السعداوي كباحثة عربية ومما قالته المؤلفة في مقدمتها حول النقد الثقافي في الوطن العربي إن المشكلات الثقافية والنقد الثقافي لم تكن مسائل عربية حصرية وتضيف قائلة أنها شكلت أيضاً مواضيع اهتمام لبلدان مابعد الاستعمار الاخرى كما شكلت المواضيع الأساسية التي تمحورت حولها نقاشات الأوروبيين والأمريكيين طوال القرن العشرين في الواقع برزت هذه المسائل في مفاصل تاريخية معينة وجسدت مروحة كاملة من الاهتمامات الأخلاقية والسياسية والمعرفية بالإضافة إلى ذلك عبرت الخطابات المتمحورة حول الذاتية الثقافية عن حوافز واهتمامات ونيات مركبة وغالباً ماتم الخلط بين البيانات الوصفية والبيانات المعيارية حول مايجب على المرء أن يكون على أساس ماهيته الحاضرة والماضية تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البيانات استندت إلى تركيبات تاريخية مختارة غالباً ماتم إظهارها كمعطيات طبيعية من التاريخ أو الميتافيزياء أو من كليهما وتأثرت دائماً بالقوى التي تحدد الهويات بالظرف الزمني والوضعي كما بالآليات المتبعة والأهداف المرجوة وقد اكتسبت مهمات التحديد الثقافي الذاتي أهمية مميزة في أوقات الأزمات والتهديدات والتغييرات الخطيرة سواء في اوروبا أو خارجها. تزايدت الخطابات التي أقامها المفكرون الأوروبيون عن اوروبا مع تزايد الشعور بالأزمة في مطلع القرن العشرين ومع صدمة الحرب العالمية الأولى والاضطراب الذي ساد خلال العقدين الثاني والثالث وظهور الفاشية بين الحربين العالميتين والخراب الناجم عن الحرب العالمية الثانية وتشكل الاتحاد الأوروبي مؤخراً وقد قام مفكرون أمثال فريديرك نيتشه وماكس فيبروارنست ترولتش وادموند هوسيرك ومارتن هايدغر وماكس شيلر وبول فاليري وجاك ديريدا وغيرهم بتقديم مفاهيم للثقافة الأوروبية وتأملات عن خصوصياتها وغالباً ماقاموا في الوقت عينه بحض مجتمعاتهم على العودة إلى قيمها الثقافية الأساسية أما في التسعينيات فقد قام ديريدا بتحليل دقيق بشأن النمط السائد للتفكير عن اوروبا كما أشار إلى هذا النمط باسم المخطط السيما نتيكو -أرخيو- تيلولوجي للفكر الاوروبي وقام أيضاً بتحليل نقدي للافتراضات القائمة حول الكيان المعطى بشكل واضح والمسمى اوروبا وحول الـ أرخي أي المصدر الجوهري لأسسها (الفلسفة اليونانية والقانون وماني والتراث اليهودي -المسيحي) وحول الـ «تيلوس» التي يعتقد أن اوروبا تتجه نحوها بشكل مستمر. جندرة النقد: نوال السعداوي والنسويات تقول مؤلفة الكتاب في أواخر المرحلة التي تلت العام 1967 ارتفع صوت نوال السعداوي الطبيبة والكاتبة المصرية الشهيرة بدأت السعداوي ممارسة الطب في أواسط الخمسينيات في ريف مصر ثم انتقلت إلى القاهرة انتقدت السعداوي نظام أنور السادات في مايتعلق بالسياسات النيوليبرالية التي وضعها ونتيجة لنقدها هذا تم سجنها ثلاثة أشهر جنباً إلى جنب مع الكثير من النقاد اليساريين وبعد أن أطلق سراحها في العام 1982 قامت بإنشاء جمعية عربية غير حكومية تحمل اسم جمعية تضامن المرأة العربية وكرست نشاطها لتحقيق الدعوة إلى الديمقراطية والمطالبة بحقوق المرأة وبعد أن مارست عليها الحكومة الكثير من الضغوط بدأت تتجول بين مصر والولايات المتحدة وأماكن أخرى وقامت بالتدريس وبإلقاء المحاضرات في مختلف أنحاء العالم وبمتابعة كتاباتها النضالية. أثرت السعداوي في أجيال من الرجال والنساء العرب وساهمت بشكل بارز في النقد الثقافي العربي بتسليط الضوء على الجندر ولطالما كانت السعداوي شخصية أثارت الكثير من الجدل من جهة النقاد المحافظين والمتحررين على حد سواء من خلال معالجتها للقضايا المتعلقة بالحياة الجنسية في المجتمع المصري بلغة عربية بسيطة وسهلة الفهم وهو ماأثار غضب المؤسسات السياسية والدينية في مصر في السبعينيات أما في كتبها القصصية الخمسة فطرحت مواضيع متعلقة باللذة الجنسية والاكتفاء الجنسي وشرحت مبادىء البنية الجسدية البشرية وتطرقت إلى موضوع العذرية والقصص المأساوية المتعلقة بها وارتكزت بهذا كله على عملها السريري الذي أجرته في المناطق الريفية والمدنية في مصر كما سلطت الضوء على الأطر الاجتماعية والاقتصادية للعلاقات بين الرجال والنساء منتقدة الأخلاقيات العلائقية التي ترعاها وهذا ماقادها إلى معالجة المفاهيم السائدة على صعيد الزواج ودور المرأة والرجل إضافة إلى مختلف أشكال القمع والظلم وأصبح أكثر وضوحاً بالنسبة إليها أن مختلف أشكال البؤس مترابطة أي إن المرض ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالفقر والجهل كما ارتبط الكبت الجنسي بالقمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي علاوة على ذلك إن إدراكها لهذه الروابط هو ماجعلها تستنتج أنه كان من الواجب طرح الصراع ضد هذه العلل على الصعيد السياسي عبر المبادرة إلى تنظيم المناقشة العامة حول هذه المواضيع من خلال الكتابة سواء في روايات أو قصص أو صحف أو مجلات وكذلك عبر مهاجمة قوى القمع كافة محلية كانت أو أجنبية كما أن نكسة عام 1967 زادت من قناعتها ومن عزيمتها على المحاربة في سبيل تحقيق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء أكان ذلك ضمن حدود الوطن العربي أم في وجه الضغوطات الأجنبية في حين تبقى القضايا النسائية عندها في الطليعة. الكتاب: الفكر العربي المعاصر - دراسة في النقد الثقافي المقارن - المؤلف: اليزابيث سوزان كساب - الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية |
|