|
ثقافة الغيوم والسحب والنجوم والقمر والشمس والطيور والبشر والشجر والحجر.. وسألهم أين قريتنا التي كانت؟! إلى أين ذهبت..؟! وما هذه القرية التي جاءت مكانها..؟! إنها تدور. وأضاف: كل شيء يدور حتى رأسي بعد أن أدير الكاس. أبو ميهوب المسكون بالحزن.. عشق السفر وفشل فيه... استقر في القرية وتركها تسافر.. لعلهم احتاجوا إلى عقله لا كأسه كي يفهموا أن ثمة قرية سافرت وأخرى جاءت من سفر.. قالوا لعلا: - تركت علاء فغادر.. تركته للسفر.. لكنه سافر قبل أن أتركه.. قال علاء: قرأت السفر في عينيها.. بل عاش قلبي في رحلة يومية منها وإليها.. سفري اليومي لم يردع هواجسها.. فابتعدت ولم أسافر... غاب طيفي عنها فسافرت إلى البعيد.. البعيد.. إلى أين يا علاء؟!.. هي لم تغادر القرية. - سافرت إليه.. إلى المجهول الذي تعشق .. وما زالت تحبك.. - ذاك حنين المسافر.. عندما عاد إلى القرية وعلا أمّ وزوجة، أخذه السفر إلى بيتها مرة أخرى.. وجد البيت مسافراً وقد خلّف وراءه الكثير من القرنفل.. - يالقرنفلها! ضحك خاله وسأله أن يعقل.. - يا علاء لا هو بيتها ولا هو قرنفلها.. في الليل الذي عاشه عزّ الظهيرة وقد تمردت روحه على النوم كتب: سأصنع قنبلة من القرنفل أفجرها على العالم وأملأ الأرض عبقاً وألواناً.. علّي أستعيد ضحكتها.. أين أنتِ؟ عندما رآها، تذكّر أبا ميهوب: -كنت ذكياً لكن.. ليس كل ما في الدنيا يدور.. والأرض كرة رغم تقاعسك.. حبي لها ثابت وأنا أدور ورحلتي تبدأ منها وتعود إليها.. عدت يا علاء.. كم تغيرت.. - الزمن.. أعرف.. وما زلت أنت.. - كيف أبدو؟ لا أستطيع أن أراك إلا جميلاً.. - لماذا تركتني؟! بل أنت الذي فعلت.. - هواجسكِ.. والسفر.. دفعتني للسفر.. أنت ولدت مسافراً وستموت كذلك.. لا تحتمل اللحظة.. لا تحتمل الكلمة.. لا تحتمل الحب.. تمشي قبله.. تخطط له.. تسأله أن يتبعك.. فتغريه بالسفر.. - سألتك أن تقفي عند حبي. لا أستطيع الوقوف.. ليس السفر حقاً حصرياً لك.. لكل منّا أسفاره.. - والحب؟! انتهى ذاك الموسم.. أردتَ من شجرك أن يعصر خمراً قبل أن يثمر.. عصرت الحب فتوقف وسافرت أنت.. قرأتُ في أوراقه: لماذا اخترتُ العسلي وقد أعجبني أبو ميهوب.. القضية ليست انتماء.. لكن.. ها أنا العسلي.. أركع عند أطياف زهرة.. وهي بهمومها مشغولة.. بل أنا علاء.. مات العسلي.. ومات أبو ميهوب وها أنا تجاوزت الستين ولن أختار بينهما.. يتابع في أوراق أخرى له: يا ناس.. ودعونا.. أنا والعسلي وأبا ميهوب والقرحيلي والقرية والسنديان والطيور.. و.. ودعونا.. آن الأوان.. أمي أوصتني أن أغلق الأبواب والشبابيك قبل أن أغادر.. لكن.. لا أريد يا أمي.. لن أفعل..سأتركها مفتوحة للشمس.. للريح.. للحياة.. للسفر. سأسدل الستائر.. وخلفها حكايات بلا حدود لأبطال يفوقون العدد ومساحات تؤكد كروية الأرض. سأتوقف.. وأرسم على الستارة يداً تكتب وأخرى مرفوعة تعلن الوداع.. وفي صفحة أخرى كتب: في أي زمن جئتِ.. فليكن، لكنك في كل الأزمان.. فقد قرأت الزمن على وقع روحكِ، وهاجس السفر في عينيكِ.. ولولا أنت.. لما صعدتُ المنصة.. ولا رويتُ الحكاية ولا أسدلتُ الستارة.. لكن.. لا بد من أن أكتب.. تجاوزت الستين.. وما بقي من عمري هو الحب والكتابة.. ودعوة للسفر.. ستمضين يوماً، لابد أنك فاعلة.. أنا ولدت مسافراً يسبق الكلمات.. وأنتِ ولدتِ عاشقة للمجهول.. تستهينين بالحقيقة بعد أن تكتشفيها.. هي أيضاً حكاية سفر.. وأرض تدور.. وعليها ومعها ندور.. فنخترع المواعيد.. ونجترح الحكايات.. ونصنع الذكريات.. دوري أيتها الأرض.. نملة صغيرة على سلسلة جبلية من رمال وقمح.. الاختيار بين القمح والرمل يسهل.. لكنه متاهة.. دوري أيتها الأرض.. سمكة صغيرة في محيط كبير.. وبين الماء والهواء يسهل الاختيار.. لكنه متاهة.. أرأيتِ.. كل شيء صغير.. فقط أن نحب.. أن نكتب.. أن نصنع الذكريات هو بلا نهاية، فلتسدل الستارة. a-abboud@scs-net.org |
|