تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصص بحجم العالم

ملحق ثقافي
20/10/2009
فيصل خرتش

مانيا سويد صحفية وكاتبة قصة وروائية سورية من مواليد دمشق 1969، تعيش في دولة الإمارات،

درست الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق والجامعة الأمريكية في لندن، عضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.‏

تكتب في الدوريات العربية، ولها مجموعتين قصصيتين : أوراق الكينا وعناقيد اللؤلؤ الأحمر، بالإضافة إلى روايتيها : عائد بخير زاد والسيرقوني.‏

في مجموعتها القصصية هذه “ أعواد ثقاب “، تتألق الكاتبة وتصبح القصة بين يديها كحبة الماس المصقولة لأنها تمكنت من هذا الفن، خبرة وثقافة ومعرفة بحياة الناس.‏

في المجموعة /17/ قصة، بعضها طويل جداً وبعضها قصير، لكن كلها تمتاز بذخيرة غنية، مليئة بالصور والرموز والأجواء الموحية، عندما تقرؤها تشعر بمتعة ما بعدها متعة، فيها مجال للكشف عن المكبوت المغيّب وراء النصوص المدرسية، في مجموعتها «أعواد ثقاب» يتداخل التاريخ والعوالم والأصقاع، وينطلق الخيال ليتحرر من وضعيته البشرية المحدودة والضعيفة، إننا أمام قصص جميلة تداعب خيالات غافية في أعماقنا.‏

لقد امتلكت لغة خاصة تعتمد الإيقاع السريع والجملة القصيرة والموهبة العالية في برمجة الحدث، بحسب توتره، وصعوده وهبوطه، إنها الكتابة في محطة الخوف، الفرح، التوهج، الغوص في أعماق النفس الإنسانية لاقتناص أدق دقائقها في الخيبة والأسى والعزلة والوحدة والانكفاء على الذات، وقد تطلب منها ذلك معرفة مشاكل الناس ومشاغلهم ومواساتهم أو الفرح معهم : )قصة سفير في المنفى(.‏

أناقة اللفظة واللغة الطازجة الحميمة القادرة على التعبير عن حيوات الناس بجملة قصيرة معبّرة وذكية، وحوار بسيط سهل وواضح ومفهوم من الناس جميعهم. )في قصة المشهد الرابع( نجد المقطع التالي : «فتح الباب وما إن صار مقابل الردهة حتى نقش فوق صدره وتحديداً مكان دبوس الوسام، بقعة حمراء خلفتها رصاصة في صدره الشامخ كرمته بالاغتيال» . إنه يعطينا ما نريده.‏

قال عنها الناقد عزت عمر ما يلي : «إن القاصة مانيا سويد» وعلى نهج شهرزاد تكتب بأسلوبية حكائية تعتمد المفارقة والنهايات غير المتوقعة لمصائر الشخصيات». وفعلاً ففي معظم قصصها نجد الحكاية المحفوظة عن الجدات تسيطر على الحدث، وتقتنص لحظة التشويق، إنها «الحاوي» الذي يدخل يده في الكيس الأسود ثم يخرجها مملوءة بصغار الجن والأميرات والساحرات، نجد العبيد والجواري والنخاسين والتجار الأثرياء، تتجول في الأزقة والشوارع مع الخلفاء والخلعاء واللصوص، تستخدم السحر الأسود على أبطال حكايتها، تصل إلى السلطان لتجالسه عن قرب، لتقصّ عليه قصصاً أغرب من الخيال. )قصص سفير في المنفى، أسير، مملكتان، راديو العاصمة، معروف وعشرة كفوف، بالمقلوب وقادمون(.‏

في معظم قصص المجموعة، نجد الكاتبة، تنفر من الاستطراد والترهل والجمل الزائدة، وهنا يظهر نجاح الكاتبة ومهارتها في إتقان صنعتها أو فشلها، ولها كل الحرية في أن تمسك العصا كما تريد، من بدايتها أو من وسطها أو من نهايتها، فجاءت المجموعة وحدة متماسكة قوية البناء، إنها نسقت كل شيء بدءاً من الموضوع إلى الشكل الفني المدرسي، وإذا به إبداع جديد مغاير لكل ما هو مألوف ومسبق الصنع. لقد تخلصت من الجملة الطويلة والإنشائية والإسهاب الممل.‏

وقصص المجموعة ملأى بالسخرية المرّة الأصيلة والهجاء اللاذع لكل ما هو مهين للإنسان وحقوقه، وتدل على إطلاع عميق وواسع على الحياة اليومية في البرّ والبحر والحارات الشعبية، كما تدل على موهبة واثقة بعطائها، وهي تلغي بكثير من العفوية والحذق الفتي الحدود بين عالم الأحياء وعالم الأموات وعالم الخيال، وتقدم هذه العوالم في عالم واحد يمتلك القدرة على التعبير عن مأساة الإنسان المحكوم عليه بالعيش في الأدغال البشرية. )معظم قصص المجموعة(.‏

اختارت الكاتبة جملتها بدقة وذكاء، وتعمدت أن تختار الفعل المضارع ليدل على أن الأحداث التي يمكن أن تقع لها صفة الاستقبال، من مثل : )أضع، يناديني، تقترب، أردّ... وهو كثير، الخ(. كما أنها اختارت الفعل الماضي لتدل على أحداث وقعت وانتهت، ولكن الكاتبة تعطيها استمرارية من خلال تلاعبها بالقصّ، فمرة تتناول الحدث من أوله، ومرة أخرى من آخره، وتعود إلى البداية. كل ذلك يمر بقدرة فائقة على امتلاك اللغة التي أصبحت عجينة طيعة عندها.‏

في قصص المجموعة ثمة استطراد يقودنا إلى نقطة مهمة، توضح ما غمض وتزيل إبهامه )قصة البصراوي، وقصة الظل(.‏

القاصة هنا تتخذ صفة بطل ليس بمعنى Hero، ولكن بصفته الشخصية الرئيسة، فتلبس لباسه وتقلده في جميع حركاته وتصرفاته وأفعاله، لتأتي وتقصّ علينا أفضل القصص ما عدا القصة الأخيرة «نبتة برية»، فإنها تتخذ صفة الأنثى وتحكي لنا قصتها، فتشكر الناس الأشرار والطيبين في حياتها على مساعدتهم لها، فلولا الشرّ لما عرفت الألم، ولولا الطيبة، ما تسنى لها أن تحب الحياة.‏

تكثر الكاتبة من الصور المركبة متخلية عن الصور البلاغية التي يمكن حذفها، بينما الصور المركبة تأتي من نسيج الجملة، ولا يمكن الاستغناء عنها، من مثل قولها : «كأن الشمس ذهبت لتطمئن على أولادها وقد حل المغيب... كان صوتها الساحر يأخذني ليضع يدي فوق بتلات زهر الزنبق المخملية ذات الشذى الفريد... ذهبَتْ نحو الباب ترقب هبوب عاصفة عاتية قادمة اقترب موعدها... تلطخت فوهتها بدماء كفيها... فتح عينيه ليجد نفسه في غرفة بيضاء لا نوافذ فيها...».‏

بقي أن نقول أن حكايات «أعواد الثقاب» مأخوذة من حياة الناس، من مأسيهم، من خيباتهم، من فرحهم وتعاستهم، من شقائهم وكدحهم. كل ذلك لتكتب لنا الكاتبة قصصاً وحكايات بحجم ذرة تراب لكنها تكبر لتصبح بحجم العالم.‏

مانيا سويد‏

أعواد ثقاب ) قصص(‏

دار التكوين، دمشق 2009‏

عدد الصفحات 232 صفحة – قطع متوسط‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية