|
ملحق ثقافي
عندما اتصل به الناشر ليقول له، إن عامل المطبعة رفض أن يطبعه، لاحتواء الكتاب على مقاطع فيها تجديف على الله. قال الناشر لسيوران، لا أستطيع نشر كتابك، إن كل ما أملكه جمعته بعون الله. وكان رفضه نهائياً. تطوع ناشر آخر وطبع الكتاب. بعد فترة، تسلم سيوران رسالة من أمه وكانت رئيسة حلقة النساء الأرثوذكسيات، كتبت فيها: أنت لا تملك فكرة عن حزني حين قرأت الكتاب، كان عليك عندما كتبته أن تفكر بأبيك. وذكرت له بأن امرأة استوقفتها قائلة لها: حين يكون هناك من لديه مثل هذا الابن الذي يكتب مثل هذه الأشياء عن الرب الطيب، عليه أن يكف عن إعطاء دروس في الأخلاق للغير. لم تقف ردود الفعل عند هذا الحد، إذ استلم من أصدقائه رسائل عبرت عن أشد الغضب، وكان أكثر من كتب عنه بشكل سيء صديقه مرسيا الياد، وكان عنيفاً جداً فحدثت قطيعة بينهما. حصد الكتاب إدانة جماعية مما دفعه حسب قوله إلى ارتكاب حماقة كبيرة بإزالة جميع الوقاحات من الطبعة الفرنسية والتي كانت تعج في المخطوطة الأصلية، يعلق على ذلك آسفاً: “بهذه الصورة أفرغت الكتاب من جوهره». هذه الحالة تشكل حالة اصطدام نموذجية مع المجتمع، شكل فيها التجديف على الله إيذاء لمشاعر بعض الأشخاص واعتداء على عقائدهم. وهي ليست حادثة معزولة أو قديمة، وإن حصلت في الثلاثينيات من القرن الماضي في رومانيا، وكانت أوربا قد تجاوزت مثل هذه الاشكاليات في ذلك الوقت. لكن التاريخ قد يعيد نفسه بالصورة نفسها أو بصورة مقاربة؛ فاليوم على سبيل المثال، يشكل الحجاب الاسلامي حسب زعم بعض الدول، اعتداء على أسلوب الحياة الأوربية. حادثة سيوران بالذات كان لها حسب علمي في العقود الأخيرة، شبيه في دمشق والقاهرة، ففي دمشق رفض المسؤول عن المطبعة طبع كتاب كان قد حصل على موافقة النشر من وزارة الثقافة، كذلك تكررت الحادثة أكثر من مرة في القاهرة. مهما كان رأينا، أو اعتراضنا على المكان والزمان، ينبغي الانتباه إلى أن الذين امتنعوا عن الطبع هم أشخاص عاديون، وليسوا موظفين رقباء، استفزهم مضمون الكتاب، فاتخذوا موقفاً منه برفض طبعه. كذلك كثيراً ما فوجئت الرقابة بعد عرض مسلسل تلفزيوني في البلدان العربية باحتجاجات شديدة على ما اعتبر انتهاكاً على أشياء عزيزة على الجمهور. أما “الأشياء العزيزة”، فلا تقع تحت حصر، ربما كانت سمعة العائلة أو الحارة والمدينة، او حرفة ما، أو حقبة تاريخية أو شخصية فنية أو سياسية، هذا عدا ما يمكن أن يثيره الدين من ممنوعات ومحرمات...الخ. حدث مثل هذا في سورية، وعلى شكل أوسع في مصر، طالما هناك من يتطوع لرفع دعاوى الحسبة ضد الشعر والرواية والأفلام السينمائية. سواء كان لوجه الله، او إثارة للقلاقل طمعاً بالشهرة. وعادة ما يستفيد الطرفان وتعود عليهما الشهرة بالمنفعة. من طرف آخر، لا تعدم هذه المعارك من يستغلها كوسائل الاعلام بدفعها إلى حدودها القصوى. أما الدولة فيقع على عاتقها اطفاء هذه الحرائق في مهدها، او تركها تلتهب، إذا كانت تحقق هي الأخرى من ورائها بعض المنافع السياسية. لو تركنا الحبل على الغارب، لوجدنا أن الأشياء التي ترضي بعض الناس، تؤذي بعضهم الآخر، وهي أمور في الحقيقة لا يمكن ضبطها لاسيما إذا وضعنا الأعراف والتقاليد بالإضافة إلى العوامل الأخلاقية والنفسية معياراً لها، ولو استجابت الدولة للجميع بدعوى منع الاساءة عن مشاعر الناس، بوضع قوانين صارمة، ترضي الجميع لتحقق التعايش السلمي بين طبقات المجتمع وأفراده، نكون فعلاً قد أحرزنا ما يدعى بالمجتمع المثالي. وهو ما يمكن أو يطلق عليه وصف؛ المجتمع النموذجي لكن المشلول، الآمن لكن المراقب، النظيف لكن الخائف. مجتمع لا يتجرأ على التفكير إلا بما يبقيه على قيد الحياة. أما إذا أردنا للمجتمع أن يتنفس بحرية، فهذا لا يمكن أن يحصل إلا بمقدار من الأذى لابد منه. من حسن الحظ، أن المجتمع المثالي، مجرد فكرة خيالية. |
|