تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في التحولات الاستراتيجية التركية

شؤون سياسية
الأربعاء 21-10-2009م
أكرم الكسيح

شهدت الألفية الجديدة متغيرات عميقة وكثيرة خاصة بعد أحداث أيلول 2001 وتداعياتها والاندفاعة الامريكية الحمقاء والدفع بجيوشها باتجاه الشرق وفي محاولة لتدعيم هيمنتها على العالم، والمنطقة العربية وجوارها بشكل خاص.

كثير من الدول فهم عمق هذه المتغيرات وأنه ماكان يصلح قبل عقد من الزمن لم يعد صالحاً لمواكبة التغير الجديد فأخذ البعض يرسم سياساته وتحديد استراتيجيته وفقاً للواقع الجديد وبشكل يحمي المصالح الوطنية والقومية التي يدافع عنها وتركيا احدى أبرز الدول التي فهمت مايحاك ويدبر في الخفاء والعلن، وكم سيكون الضرر كبيراً إن هي وافقت الحماقة التي أعلنت عنها وبكل صفاقة إدارة بوش الأبن سيئة السمعة والفعل فاختارت مصالحها وسياستها الخارجية بما يتوافق مع موقعها الحقيقي وحجمها والدور الذي يمكن أن تلعبه على الساحة الإقليمية والدولية فأجرت تعديلات جوهرية في صداقاتها وعلاقاتها، فابتعدت عن كل مايتعارض مع رأي الشارع التركي فكان أن أفرز الرأي العام لديها حزب العدالة والتنمية في انتخاباتها التشريعية والذي رأى فيه الشارع التركي الأكثر تحقيقاً لرغباته وطموحاته والأصلح لقيادة دفة القيادة التركية في ظل موجات التغيير المتلاطمة التي تسود الساحة الدولية.‏

فعمل هذا الحرب ومنذ توليه دفة القيادة التركية وبزعامة رجل سياسي محنك ويعي تماماً كيف تكون القيادة الناجحة التي تستوعب حجم التغير الحاصل ورسم الاستراتيجية المناسبة لذلك، إنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فاختار فريق عمل قادر على السير بتركيا نحو أخذ مكانتها الحقيقية بعيداً عن الضغوط التي تمارس وتتعارض مع المصلحة التركية و بدا واضحاً وجلياً النجاح الذي تحقق من خلال عدة قرارات وخطوات قامت بها القيادة التركية وأبرزها:‏

-رفض رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان استضافة شارون في تركيا على خلفية المجازر التي ارتكبها في فلسطين المحتلة.‏

وصف أردوغان الكيان الصهيوني بالدولة اليهودية بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين رئيس حركة حماس.‏

رفض البرلمان التركي استخدام الأراضي التركية لاحتلال العراق، رغم الضغوط الهائلة التي مورست على تركيا، وعلى الرغم من أن تركيا عضو في حلف الناتو ولم تشارك قواتها في احتلال العراق.‏

تحسن العلاقات التركية - الايرانية وتصاعد المطالبة في الشارع التركي وداخل البرلمان بإقامة علاقات قوية بين البلدين، وخاصة أن تركيا تستورد الغاز من ايران، وتنامي المصالح والعلاقات الاقتصادية بين البلدين.‏

إدانة تركيا للحرب الوحشية التي شنها الكيان الصهيوني ضد سكان غزة والمجازر البشعة التي ارتكبها ضد الأبرياء من شيوخ وأطفال ونساء وتدمير الشجر والحجر ووصفتها تركيا «بالطعنة في الظهر»، حيث إن رئيس وزراء العدو السابق ايهود أولمرت كان في زيارة رسمية لتركيا قبل العدوان الهمجي على غزة بيوم ووعد بالمضي قدماً في مسيرة المفاوضات غير المباشرة مع سورية التي كانت ترعاها تركيا وأن لا نية في العدوان على الفلسطينيين، علماً أنه لم يتوقف يوماً عن ممارسة هذه الاعتداءات، ومتى كان يعرف هذا العدو صدقاً في عهد أو وعد.‏

الموقف المشرف لرئيس الوزراء التركي أردوغان في مؤتمر دافوس وانسحابه من المؤتمر اعتراضاً على عدم اعطائه فرصة الرد على صفاقة وتبجج وكذب بيريس في تبريره للعدوان ومعاداته للسلام.‏

استضافة تركيا للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، الأمر الذي أثار غضب الدول الغربية كلها وهي رسالة واضحة من القيادة التركية مفادها بأن تركيا تبني سياساتها مع مايتوافق مع مصالحها وموقعها وما يخدم استراتيجيتها.‏

قامت تركيا باستضافة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية وتهديد الكيان الصهيوني لتركيا بدعم معارضيها احتجاجاً على هذه الخطوة.‏

تحسن علاقة تركيا وتوطيدها في دول العالم الاسلامي، ونتيجة لمواقفها المشرفة في نصرة القضايا التي تهم العالم الاسلامي وخاصة في فلسطين ولبنان والعراق انتخب أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم 57 دولة من تركيا هو (أكمل الدين احسان أوغلو)، وكذلك انتخبت تركيا عضواً غير دائم في مجلس الأمن بدعم عربي.‏

حسنت تركيا علاقاتها مع الدول التي توجد خلافات بينها وبين تركيا وتصل إلى مرحلة العداء وهذه ورقة ضغط كانت تمارسها الولايات المتحدة وربيبتها في المنطقة للضغط على تركيا لتغيير مواقفها بما يخص قضايا المنطقة حيث حسنت تركيا علاقاتها مع أرمينيا وتم تطبيع العلاقات بينهما للوصول إلى إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، وكذلك الهدوء الذي يكتنف العلاقة بين تركيا واليونان.‏

والأهم من ذلك والذي يعتبر ضربة قاصمة الظهر للعدو الإسرائيلي التعاون الاستراتيجي بين سورية وتركيا وكان ذلك برؤية استراتيجية من قيادة البلدين، حيث بنظرته الثاقبة وبعده الاستراتيجي وجد السيد الرئيس بشار الأسد في التحول التركي الجديد تجاه قضايانا العادلة والمناصرة القوية من جانب القيادة التركية لهذه القضايا خطوة استراتيجية ولإيمانه بتضافر القوى والامكانات في مواجهة الهيمنة والمؤامرات التي تحاك ضد منطقتنا فكانت مبادرة الرئيس الأسد بملاقاة التوجه التركي واقامة علاقات استراتيجية تخدم مصالح الأمة العربية وتركيا في آن، فلاقت اليد السورية الممدودة الى الجار التركي الصديق أعظم ترحيب وتسارعت خطوات التقارب بين البلدين إلى أن وصلت إلى مستواها الاستراتيجي الحالي، وهكذا يكون اغتنام الفرص وكان من أولى ثمار هذا التعاون البناء إلغاء تركيا للمناورات الجوية المشتركة مع جيش العدو الاسرائيلي والناتو وما يعنيه ذلك عسكرياً وسياسياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية