تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


روسيا.. الثمن الذي يطلبه الناتو

شؤون سياسية
الأربعاء 21-10-2009م
غالب حسن محمد

يمكن اعتبار قرار الرئيس أوباما التخلي عن مشروع الدروع الصاروخية منعطفاً في العلاقات الأمريكية- الروسية بل والعلاقات الدولية المعاصرة برمتها.

لقد نفذ الرجل وعداً قطعه خلال حملته الانتخابية التي أطلق خلالها وعوداً بالحوار مع الخصوم قبل الأصدقاء وصولاً إلى عالم أكثر أمناً وتعاوناً وطمأنينة، كان من المعروف أن تطبيع العلاقة مع روسيا لايمكن من دون التخلي عن مشروع قامت كل السياسة الخارجية الروسية في السنتين الماضيتين على معارضته واعتباره موجهاً ضدها بالتحديد، ووصفه بأنه يهدف إلى قلب كل الموازين والتوازن الاستراتيجي القائم منذ الحرب الباردة على حسابها ولمصلحة الأحادية الأمريكية.‏

من هنا كانت اللهجة المتشددة التي اعتمدها الرئيس بوتين حيال «الذئب» الأمريكي كما وصف الولايات المتحدة في خطابه أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ في شباط عام /2007/وقراره بنشر صواريخ استراتيجية في كالينغراد رداً على التهديد الأمريكي الجديد وللتذكير كان الرئيسان الأمريكي فيكسون والسوفييتي بريجنيف قد وقعا في عام 1972 على معاهدة تلزم كلاً من الطرفين الأمريكي والسوفييتي بعدم الخوض في صناعة دروع أو صواريخ تحمي من الصواريخ البالستية للخصم.‏

كان الهدف من ذلك منع سباق تسلح منهك للطرفين في مجال الصواريخ الاعتراضية وجعل أراضي كل من الدولتين العظميين مكشوفة أمام صواريخ الخصم النووية بحيث لاتفكر إحداهما في مباغتة الدولة للأخرى بهجوم نووي.‏

وقد وفرت هذه المعاهدة نوعاً من الاستقرار الاستراتيجي وساهمت في إبعاد شبح الحرب النووية بين الجبارين لكن بعد نهاية الحرب الباردة قررت إدارة بوش بعد ما ترددت إدارة الرئيس كلينتون إلغاء هذه المعاهدة بذريعة أنها تنتمي إلى مرحلة الحرب الباردة التي انتهت وينبغي إحلال قواعد لعبة جديدة محلها ثم شرعت في وضع الخطط لنشر محطات رادار في جمهورية تشيكيا وعشر منصات إطلاق صواريخ اعتراضية في بولندا، في غضون عام 2013 من ضمن مشروع يكلف أكثر من مئة مليار دولار على الأقل ويهدف على ما تعلن واشنطن إلى مواجهة خطر بالستي إيراني محتمل على أوروبا الشرقية والوسطى وهذا المشروع كان أيضاً جزءاً من خطة تشمل العالم بأسره ولحماية حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من مخاطر الصواريخ البالستية.‏

لقد كان من الطبيعي والمنتظر أن ترد روسيا بايجابية على قرار الرئيس أوباما « المسؤول والايجابي» كما وصفه الرئيس الروسي ميدفيديف بالنسبة لموسكو بأنه اعتراف بموقعها كقوة عظمى يحسب لها الحساب يأتي بعد طي حلف الأطلسي لملف انضمام جورجيا وأوكرانيا إليه.‏

ومن المؤكد أن القرار الأمريكي جاء بعد التشاور مع الأوروبيين الذين طالما كانوا يتوجسون شراً من تدهور العلاقة الأطلسية - الروسية.‏

ويسعون إلى ترميمها وأكثر من ذلك فمن المؤكد أن القرار الأمريكي كان منسقاً مع حلف شمال الأطلسي الذي دعا أمينه العام «راسموسن» إلى انطلاقة جديدة وحوار غير مسبوق مع روسيا يأخذ بالاعتبار مصالحها الأمنية المشروعة.‏

أكثر من ذلك فقد اقترح عليها شراكة استراتيجية في قضايا افغانستان وإيران والإرهاب والقرصنة وغيرها وفي دفاع صاروخي أوروبي جديد، وقد فصلت ساعات معدودة قليلة مابين إعلاني راسموسن وأوباما «مصادفة»؟ لكن الثمن الذي يطلبه الأطلسيون من روسيا هو تخليها عن معارضتها فرض عقوبات مجدية على إيران في مجلس الأمن الدولي وتوقفها عن بيع أسلحة متطورة من قبيل صواريخ إس-إس-300 تستخدمها إيران في حماية منشآتها النووية.‏

ومن نافل القول إن روسيا وإيران ليستا حليفتين بالمعنى الاستراتيجي لهذه المفردة، كل مافي الأمر أن مصالح جمعت بينهما وهي مصالح تجارية واقتصادية ولكن أيضاً رغبة في مواجهة عدو مشترك وصلت قواته إلى حدود كل منهما.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية