تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أسئلة الذات.. بين الحصار والتفريغ

شؤون سياسية
الأربعاء 21-10-2009م
د. أحمد الحاج علي

لاتزال كل هواجسنا تصطف تحت مصطلح (الحلم العربي) ويبدو أننا قد استسغنا هذه الصيغة، ويبدو أن هذه الصيغة قد استساغت أيضاً الأداء العربي معها، ومادام الحلم العربي يعبر عن رغبة دفينة وحافز مكنون ثم تحتضنه نفسياً منهجية الإدارة الغيبية مادام الأمر كذلك فلماذا لانحلم،

ولماذا لانستطرد مع أحلامنا وهي تمنحنا هذا المدى من الراحة تؤرقنا لكنها لاتضغط علينا ولاتحاسبنا، ويبدو أن هذه الميزة صارت اختصاصاً عربياً، وكل مقدماتها فكر وتفكير وكل خلاصاتها وثائق وبيانات وكل مرتسماتها شعر وأوهام خارقة الجمال، إنما اندمجت مع هذا المأخذ وأنا أعيش مثل غيري حالة الاستغراق في الحلم ويبدو أن قوى العالم الغربي بما فيها الصهيونية استوعبت في نهاية الأمر مسألتين في الواقع العربي، الأولى أن يكون الحلم هو المادة النفسية والتطبيقية للعرب بمعنى أن يحسوا ويفكروا، ثم يأتي الصباح ويتلاشى الكلام المباح وتتكرر هذه الحالة حتى لتصبح شأن الفرد والجماعة وشأن السياسة العربية والنخب وصفة الراهن من الزمن وإيقاع القادم منه، ومادام الحلم العربي رغبة محاصرة وهناك من يفسره ويجهضه ويحيله إلى الركام النفسي من الداخل العربي ومن الخارج العربي فإن الحلم هذا يصير هدفاً بحد ذاته ومعه يتكرر وينتشر ويبقى الواقع العربي كما هو محتفظاً بكل خصائص التجزئة والتبعية وسادية تجاهل المسائل الكبرى وعنجهية التعبير الذي فقد مضمونه وظلاله معاً، إذاً صار للحلم مدار ومسار وصار هو الأعلى دون أن يكون هو الأقوى وبموجب ذلك تكاد قضايانا الكبرى أن تتخبط بحيث تسد عليها منافذ التفكير والتغيير، وبحيث تشيد الحواجز المصطنعة أمام استحقاقات هذه القضايا، والعامل المذهل في هذا هو أن تكون قضايانا على هذا المستوى من المشروعية والضرورة وأن يكون استحقاقنا فيها مجرد كلام وأفكار واردة شاردة تنبعث من الجرح ثم تتلاشى مع موجات الهوس والضياع وبعد أن تغادرنا ونغادرها نعود للحل الأسهل وللخيار الأمثل وهوأن نحلم بها دون أن نتأكد من أنها تحلم هي بنا، وقضايانا معروفة مكشوفة لأنها وجع الجميع وخطر الجميع ومنها مسائل كبرى تتصل بأسئلة الذات العربية، بمصادر الهوية وبالتجمع أو التوافق أو التضامن أو الوحدة، بالدخول إلى عالم اليوم بشروطه ولكن بخصائصه العربية، ومن قضايانا مهمة تحرير الأرض واستعادة الحق بالطريقة التي اشتغلنا عليها في كل مراحل التاريخ حيث كانت مواجهة المستعمر ومقاومة المحتل هي الخيار الطبيعي الأول والأخير والموضوعي والقومي، وكان معروفاً بأن الأرض والسيادة والكرامة هي مصادر لاتخضع للمساومة ولايمكن طرحها في بورصة المناخات السياسية والاقتصادية التي تلف عالم اليوم، ومن قضايانا موقفنا وموقعنا في هذاالعالم تحت ضغط السؤال الأكبر الذي يقول ألا يحق لنا، بل ليس من دوافع وجودنا ومصيرنا أن يكون لنا حضور هو في منحى التقدم العالمي على الأقل وليس في مقدمته، ويعرف الجميع أن العرب هم الأغنى بالثروة وأنهم الأفقر بل هم تحت خط الفقر في مستوى المعيشة وفي مناخ القوة الذاتية وفي نطاق استثمار هذه القوة لمصلحة قضايانا الكبرى، قد يبدو الأمر غريباً في البداية إذ نحن الأغنى والأفقر بمستوى الثروة المادية، ونحن الأعدل والأكثر تلاشياً بمستوى جوهر قضايانا ونمط علاقتنا مع هذه القضايا، إن موارد العالم المهمة وعناوين التحول الأعمق في العالم لاتزال تحوم حولنا ولاتدخل في حمانا وإن استدعاها البعض فيأتي حضورها محجوزاً محاصراً على حساب العرب وليس لحسابهم، والعناوين في هذا السياق كثيرة مثل التنمية الشاملة والبحث العلمي وبناء البنية التحتية وتأهيل العلماء والخبراء والاعتماد على قاعدة الإشباع والاكتفاء الذاتي في الزراعة والصناعة وتأمين المدى اللازم للأمن الغذائي والأمن المائي والأمن الديمقراطي، والقائمة هنا مفتوحة باتساع العالم وبخصوبة مافيه من خيارات وتطبيقات وآفاق مفتوحة صار الذهن العربي مرتبكاً أو عاجزاً عن مواكبة هذه الاتجاهات، وعن بنائها في الداخل العربي إلى الدرجة التي صار الحل الغريب فيها يعتمد على نزعة الذوبان في الآخر وعلى مبدأ ترحيل القضايا والموارد والطاقات البشرية من مصادرها وأوطانها إلى عواصم الغرب الجاهزة أبداً لابتلاع كل مالدينا وكل من لدينا، الاقتصاد يرحل إلى الخارج، الثروة والمواد الخام لاتتعب من هذا الارتحال أو الترحيل، الطاقات الإنسانية المبدعة تغادر أو تُهجر إلى الخارج، قيمنا الفكرية والثقافية والتاريخية تبحث عن مراجعها وتوثيقها في الخارج، وبعد ذلك نسأل أو نتساءل لماذا تُرحل أو تُهجر قضايانا السياسية وفيها حقوقنا ووجودنا كله، لماذا إلى الخارج أيضاً، وهناك باستمرار من يبرر، من يسوق ويسوغ إلى أن تضل الحقائق ومعها يتوه الإنسان العربي في مسرى البحث عن الحقيقة ومجرى اندفاعات الذات وأنشطتها، والفرق نوعي بين أن نتفاعل مع العالم بل نتعامل معه عيانياً ونحن جزء مماثل له ومنه نمتلك ونقدر ونكرر وبين أن نلقي بأنفسنا في غياهب الجب نعهد وجودنا للوكلاء والحيتان خارج الحدود ثم ندعي أننا بذلك نؤمن مسار الإحياء والنجاح لقضايانا ولكن بمواصفات العصر ونمطية البيع والشراء، والمسألة الثانية وقد شردنا عنها قليلاً وهي التي يتوخاها الغرب الآن ويضبط حدودها وقواعدها هي أن نكون على شكل الأحياء ولكن دون عقل يفكر أو ساعدٍ يبني أو يدٍ تقاوم القاتل وتطلق عليه النار، والرغبة الغربية هذه اختراع وابتكار فالعرب مطالبون بأن يبقوا على قيد الحياة مجموعات بشرية مسكونة بنهم الاستهلاك ومنفتحة على الاستيراد والانبهار بمفرزات الغرب إن ذلك في حسابات الآخرين يشكل منطقاً مهماً، فنحن السوق ونحن قوة الشراء والاستهلاك في هذا السوق ولدينا من المستوردات الجاهزة ومن مفرزات الحضارة المادية مايكفي لكي نعتنق هذا المذهب الذي صاغه الآخرون فينا والتحذير هو الأسلوب المناسب لذلك فليس لنا أن نفكر بذاتنا بما ننتج نحن ونملك نحن وبعد ذلك بما نستهلك نحن، هناك ثروة عربية داشرة، أدرك الغرب ذلك ووضعنا بين خيارين إما أن تموتوا مع ثروتكم وإما أن تشتروا بها حاجات العصر الاستهلاكية ونحن جاهزون على مايبدو لهذه الحالة من البيع أو الشراء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية