|
واشنطن بوست فقد أخبرني هاتوياما في لقاء أجريته معه الأسبوع الماضي أنه من خلال التصويت على التغيير حقق كل فرد في الولايات المتحدة أهمية بحد ذاته، ونحن أيضا بفضل تغيير سياستنا المغلقة، حققنا نوعا من الحيوية بالنسبة لكل فرد في اليابان . غير ان الحقيقة هي ان الزعيمين يقفان على طرفي النقيض، فرئيس الوزراء الياباني يمتلك شخصية تتسم بالفتور وتفتقر للجاذبية تختلف تماما عن شخصية أوباما الكارزمية، فضلا عن نشأته في عائلة توارثت الثروة والنفوذ، ومع ذلك فإن صعوده إلى السلطة يشبه في نظر العديد من اليابانيين الطريقة التي شق بها أوباما مسيرته السياسية. ومن خلال قيادته لحزب «اليابان الديمقراطي» صاحب الميول اليسارية وتحقيقه انتصارا ساحقا في الانتخابات الاخيرة وكسره لنصف قرن من الهيمنة المتواصلة للحزب الليبرالي الديمقراطي ذي التوجه اليميني، ربما تكون مهمته في إدخال التغييرات التي يريدها أسهل من مهمة أوباما في الكونجرس. لكن السؤال :هل يملك هاتوياما أجندة متماسكة واضحة الأبعاد والجوانب؟ لقد حضر هاتوياما إلى الأمم المتحدة حاملا معه وعدا بتقليص انبعاث الغازات في اليابان المسببة للاحتباس الحراري بمقدار يفوق ما كان تعهد به أسلافه في الحكم، فيما قررت حكومته في المقابل خفض الضريبة على البنزين تلبية لرغبة الناخبين ونزولاً عند وعد كان حزبه قطعه على نفسه خلال الحملة الانتخابية. وعندما سألت رئيس الوزراء عن هذا التناقض الواضح تمسك، رغم الأدلة التي تفيد العكس، بأن سعر البنزين لا يؤثر كثيرا على ارتفاع الطلب، وأنه في جميع الأحوال سيتم التغلب على السياسات التي تشجع على انبعاث الغازات من خلال التكنولوجيا المتقدمة . لكن هاتوياما ، ورغم ما يقوله عن نفسه وتأكيده على أولوية التغيير على غرار أوباما، يبقى في جوهره محافظا للغاية. فقد تعهد بمواجهة قوى العولمة الكاسحة والحفاظ على المجتمع الياباني التقليدي وحماية الأعمال الصغيرة والقيم الاجتماعية وكرامة الإنسان. ويبدو أنه يستلهم أفكاره من الفيلسوف النمساوي الياباني ريتشارد نيكولاس كاليجري الذي كان أحد رواد الاندماج الأوروبي في النصف الأول من القرن الماضي، وأحد المدافعين عن «روح الأخوة» القادرة على إخراج العالم من الاستقطاب الحاد بين الرأسمالية والاشتراكية. ويعبر هاتوياما عن ذلك بالقول: «إننا في اليابان نفتقد لهذه الروح، لهذا أدافع عن التغيير لإحياء الأخوة»، معتبرا أن هذا التغيير يشمل الحاجة إلى الحد من تأثير قوى السوق عندما تخرج عن السيطرة وتبالغ في آثارها السلبية ومشددا على ضرورة ان تقوم السياسة بدور أكبر في الدفاع عن الإنسانية، والمستضعفين . وفي مقال نشره قبل الانتخابات بصحيفة «نيويورك تايمز» استشهد هاتوياما بالفيلسوف النمساوي، الذي ترجم جده أعماله إلى اليابانية، باعتباره مصدر إلهام له في السياسة الخارجية، مطالبا بنوع من الاندماج بين دول شرق آسيا من أجل تأمين حماية أكبر لليابان وباقي البلدان الآسيوية من التجاوزات الأميركية في السياسة والاقتصاد ومن التهديد العسكري الذي تمثله الصين، وهو ما يبدو محاولة من اليابان من أجل تخفيف اعتمادها على تحالفها مع الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها . يقول هاتوياما: إن الاندماج هو الطريق الأنسب للحفاظ على الاستقلال السياسي والاقتصادي لليابان والدفاع عن مصالحنا في علاقاتنا مع الولايات المتحدة والصين. لكن وفي تناقض آخر مع تصريحاته السابقة على العلاقة مع الولايات المتحدة باعتبارها أساس السياسة الخارجية لليابان، يشدد هاتوياما منذ توليه رئاسة الوزراء على أن مفهومه لاندماج شرق آسيا يترك الباب مفتوحا لانضمام الولايات المتحدة ، بل حتى الصين أيضا، مشيراً إلى أن الأمر سيكون مفيداً لو بدأنا بالتعاون حول تطوير حقوق النفط في بحر الصين بين طوكيو وبكين. والواقع أنه بالنظر إلى الآراء والتصورات المختلفة التي يزخر بها ائتلافه الحاكم، علينا ألا نستغرب وجود قدر من عدم التناسق والغموض، وقد يعكس ذلك أيضا الالتباس الذي يشعر به العديد من اليابانيين بين استيائهم من النفوذ الأميركي من جهة وقلقهم إزاء تمدد قوة الصين وأسلحة كوريا الديمقراطية النووية من جهة أخرى. وبين افتخارهم بدستورهم السلمي لما بعد الحرب والرغبة في الاضطلاع بدور أكبر على الساحة الدولية. لكن إذا كانت هذه التناقضات قد عجلت بإنهاء تجربة الحكم الوحيدة الأخرى في اليابان التي لم يشارك فيها الحزب الليبرالي الديمقراطي في عام 1994 بعد أقل من عام على ظهورها، فإن الأغلبية الساحقة التي يتمتع بها حزب اليابان الديمقراطي هذه المرة في البرلمان، قد تحميه من مصير مشابه لأسلافه وتغطي على تناقضاته الواضحة وأخطائه القادمة المتوقعة. بقلم : فريد حياة |
|