تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليـــس طاووســـــاً.. بــــل خجـــول حتـــى العزلـــة

فضائيات
الأربعاء 21-10-2009م
هفاف ميهوب

كم من الواجب ألا تتنكر الفضائيات لمبدعينا الراحلين أولئك الذين غادرونا لكنهم ومن خلال ما قدموا لنا مثلما للبشرية والتاريخ،مازالوا خالدين ليصبح من دواعي فخرها أن تبقى دائمة البحث،عما يجعل المشاهد ينال مبتغاه والفائدة من أعمالهم.

من هنا ورغم تغييب الكثير منهم عن حاجة المشاهد إلا أن هناك من يفرض إبداعه بحد الكلمة ونزيف الوجع الذي تعجز أي فضائية إلا عن تمجيده لاسيما إذا كان وجع وطن.‏

انه محمود درويش شاعر المقاومة الأول الذي لايغيب لطالما رسم بقلم تحديه معنى الكرامة وعلى مدى تاريخ من الظلم والعدوان،درويش الذي أرادت قوة إبداعه أن تجمح بذاكرتها لتبقى دائمة الصهيل بما تردده حناجر الصمود.‏

هاهو اليوم يرتد عن موته ليطل علينا من خلال (النيل الثقافية)وضمن برنامج (مشاوير ومشاهير)الذي جذب انتباهنا لنتابعه والى ما بقي الشعر ينبض بالحياة.‏

ولأن لكل شاعر أنثاه،فقد كانت الدافع للسؤال الاعتيادي الذي يوجه لكل شاعر يبحث محاوره عن موقعها ضمن قصيدته،ليكون درويش غير مخصص للحب فيجيب:الأنثى كائن ككل الكائنات الإنسانية التي تنبض في نصي الشعري دون أن تحتله.‏

أيضا وربما لأنه الشاعر الذي امتلك زمام الحكمة كانت الأسئلة التي وجهتها إليه محاورته(سوسن بشير)من التمكن ما جعلها مميزة،ذلك أنها تطرقت إلى نظرته إلى الشاعرين الاسبانيين (نيرودا،ولوركا) مثلما (ناظم حكمت)وكل من أعاد قراءتهم فنظر لهم كما لم يكن ينظر؟‏

فهل لسؤال غير ذلك يجعله يقول بأن قراءاته كانت خاضعة لايديولوجيا سياسية،حجبت معرفتها أولا،بشكل حقيقي ليقوم وبعد تراجع الضغط السياسي بقراءتهم بشكل أدبي محض ليشعر بما لديهم من جماليات النص الإنساني.‏

أيضا ولأن عشاق الشاعر لايملون سماع قصائده فقد ارتأى البرنامج القيام بما جعله أكثر جذبا و ذلك عندما كان يعرض بين سؤال وآخر لقطات كان درويش قد ألقى خلالها الشعر في بعض المناسبات الأدبية والسياسية.‏

لكن هل استطاع البرنامج أن يجعل درويش يغار فعلا من اسمه ذاك الاسم الذي كان مثار اهتمام محاورته مثلما كل من تعامل معه بعيدا عن مضمونه كإنسان.‏

لاتستغربوا إن غار فعلا لأنه صرح بذلك مستنكرا ألا يكون كائناً وإنما صفة انعدمت فيها حريته الشخصية بهيمنة الرمز(اسمه).‏

وتعود محاورته فتبين له أن غيرته ليست في محلها،فهو وان كان محمود درويش إلا أنه الطاووس الذي يخشى الناس الاقتراب منه،لأنه لايدع مجالا لذلك.‏

الطاووس،ربما أشبع هذا الوصف غروره لكنه تواضع حتى الخجل معتبرا أنه من يبتعد عن الناس لأنه يعشق العزلة ويرفض دور النجم الاجتماعي،مثلما يرفض هدر الوقت في الاحتفاليات الاجتماعية.‏

بكل الأحوال وبغض النظر عن إعداد أسئلة البرنامج التي كان فيها الكثير من المميز إلا أن ماتخلل الحوار الطويل من مرافقة أشعار درويش لجثامين الشهداء،حيث مثوى كرامتها وبما يؤكد الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني،جعلنا وان رفضنا الترجل عن صهوة مفرداته نضطر لذلك خاشعين ومرتلين تماما كالشاعر:(حاصر حصارك لامفر...،واضرب عدوك لامفر..)‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية