تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة... تركيا وسورية.. ولادة زمن جديد

آراء
الأربعاء 21-10-2009م
سليم عبود

في ضوء التطور المهم والسريع للعلاقات السورية التركية.

أتساءل: لماذا لم نعد النظر في الماضي لعلاقاتنا مع تركيا، وتركيا جزء مهم من جغرافية وتاريخ وثقافة المنطقة وهويتها الحضارية، لماذا لم يعد العرب النظر في علاقاتهم مع تركيا لتكون السند القوي للقضايا العربية والفضاء الرحب للخطاب العربي، هذا الحاجز الذي ظل قائماً بين تركيا والعرب، هو الحاجز الذي نراه اليوم بين العرب وإيران، بين علاقات التاريخ والجغرافية والثقافة والهوية الواحدة.‏

إن مصالح العرب والأتراك والإيرانيين تقتضي بناء علاقات متطورة وقوية ومتينة لتصب في خدمة مصالح شعوب المنطقة الاقتصادية والسياسية.‏

سورية تدرك أهمية تركيا ووجودها في تاريخ وثقافة وجغرافية المنطقة، وأهمية دورها في دعم القضايا العربية، وفي إرساء دعائم السلام، وتعي جيداً خطورة بقاء تلك العلاقات السورية التركية والعربية التركية متوترة، و في مرات كثيرة كانت متصادمة بفعل خارجي يتجاهل إرادة شعوب المنطقة، فعملت على كسر تلك الحواجز المصطنعة.‏

التحرك السوري أنتج مرحلة جديدة في المنطقة، أنتج زمناً جديداً يعيد العلاقات السورية التركية والسورية الإيرانية والعربية التركية إلى طبيعتها، بل لجعلها من خلال تطويرها أكثر من طبيعية.‏

ما الذي قدمته تلك القطيعة الطويلة مع تركيا للعرب وقضاياهم؟!.‏

فقط، جعلت تركيا في الجانب الآخر المعادي.‏

العداء العربي التركي طوال القرن العشرين لم يؤسس لإنجاز واحد يصب في مصلحة العرب والأتراك، لابل زاد المنطقة تفككاً وضعفاً، ومن خلال تفسخ هذا التفكك راحت إسرائيل تنهض، وتنهض معها مشروعات الغرب الاستعمارية التي تعمل على إلحاق المنطقة بها.‏

تركيا باتت جزءاً من الحلف الأطلسي وأقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتبعتها علاقات عسكرية من خلال اتفاقية آذار 1996، للتعاون العسكري، والتي أنتجت مناورات مشتركة مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وباتت تركيا على مدى عقود تمثل فك الكماشة الآخر على العرب، كما كان نظام الشاه في إيران.‏

العلاقات السورية التركية اليوم كما أرسى دعائمها الرئيس بشار الأسد والرئيس عبد الله غل، تفتح أفقاً جديداً ومزهواً بالأمل في فضاءات المنطقة، يصب زهوه لمصلحة العرب في صراعهم مع إسرائيل، وفي مصلحة السلام بالمنطقة وازدهارها الاقتصادي ودعم قرارها السياسي وحماية هويتها الإسلامية و الثقافية والحضارية التي تتعرض للغزو الخارجي.‏

نحن اليوم أمام واقع جديد وزمن جديد، وآفاق جديدة في العلاقات السورية التركية، وهذا التطور سينعكس بالإيجاب على العرب والأتراك معاً وعلى القضية الفلسطينية، وهذا الواقع الجديد بما حققه وسيحققه في المستقبل مكسب وإنجاز كبيران يسجلان للسياسة السورية وللقيادة التركية الراهنة التي أعادت إلى تركيا دفقها المشرقي والإسلامي.‏

العلاقات السورية التركية تجاوزت الحالة الخطابية إلى المواقف التي باتت واضحة وملموسة للمواطن العادي في البلدين، وللعرب في كل مكان، فعلى الصعيد الاقتصادي ارتفعت أرقام التجارة البينية، ومن خلال إلغاء التأشيرة بين سورية وتركيا تزايدت أعداد المسافرين، ولكن ماهو أكثر أهمية جاء في المواقف التركية المهمة والإيجابية تجاه القضية الفلسطينية كان آخرها وقف التدريبات التي أطلق عليها «نسر الأناضول» واستثناء إسرائيل منها لأن الطائرات الإسرائيلية التي ستشارك هي على الأرجح الطائرات التي تم استخدامها خلال عملية «الرصاص المسكوب» التي تعرض لها قطاع غزة في مطلع هذا العام بحسب ما أوردته وكالة الأنباء د.ب.أ الألمانية، وانخفضت المبادلات التجارية بنحو 40٪ بين تركيا وإسرائيل، إضافة إلى تحول تركيا إلى ظهير قوي للقضية الفلسطينية وللمواقف السورية.‏

ضمن المهرجان الثقافي السوري التركي الذي أقيم في انطاكية بين 9/12/2005 ضم كتاباً ومثقفين وأساتذة جامعات تركية، شاركت بمحاضرة عنوانها «العلاقات السورية التركية.. تطلع نحو المستقبل» كان عنوان المحاضرة مستمداً من التفاؤل الذي عشته بعد زيارة إلى كل من اسطنبول وأنقرة في عام 2004 ضمن وفد إعلامي نظمت زيارته الخارجية التركية، خلال تلك الزيارة التقينا رجال سياسة واقتصاد، وأناساً عاديين، تلك اللقاءات عكست لدي شعوراً أن تركيا دولة لها قلب مشرقي لايغادر تاريخه، وجغرافيته وروابطه الإسلامية، وأكثر من ذلك، قرأت في كلمات وفي مشاعر وملامح كل الذين التقيتهم الحنين إلى روابط التاريخ و الدين والجغرافيا والقيم المشتركة، وحنيناً إلى روابط الجوار والقربى واحتراماً كبيراً لدى الشعب التركي نحو القيادة السورية والشعب السوري وتضامناً حاراً مع العرب في قضاياهم القومية، يتخطى الكلمات إلى المواقف، وكان البرلمان التركي عام2003 رفض السماح بالعدوان على العراق انطلاقاً من الأراضي والأجواء التركية.‏

إن زيارة الرئيس بشار الأسد في رمضان الماضي إلى تركيا، وماسبقها من زيارات، أزاحت من أمام قطار العلاقات السورية التركية كل الحواجز والمعوقات، لنشهد تطوراً مهماً وسريعاً في العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية يقوم على الثقة المتبادلة بين القيادتين والشعبين، وقد أشار إلى ذلك الرئيس أردوغان بالقول: إن سورية وتركيا تقاسمتا مصيراً مشتركاً، وبالمقدار الذي تكون فيه سورية قوية تكون تركيا قوية.‏

ويقول الرئيس الأسد: إننا أعدنا الأمور إلى طبيعتها وأبعدناها عن شذوذها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية