|
كتب منذ سنة 1926، تاريخ إصداره لـ (في الشعر الجاهلي)، وهو لا يكف عن رمي الحجارة في مستنقع الثقافة العربية، وتفجير الأسئلة في أحراش المسكوت عنه، والغريب أن موته كان مجرد محطة عابرة في أثره المقلق المتصل، إذ لم ينجح غيابه الجسدي في وقف الدوائر المتنامية بفعل حجارته، ولا في وضع حد للقلق الذي أضرمته أسئلته المدوية... في (مستقبل الثقافة في مصر) و(في الشعر الجاهلي) كما في كتبه الأخرى الكثيرة، سعى طه حسين إلى فتح العقل العربي أمام رياح الحداثة التي كانت قد هبت من الغرب منذ قرون، وجاهد في تنصيب العقل كسيد للأحوال والأحكام، وأصر على نزع القداسة عن التراث واضعاً التاريخ على محك النقد العقلي، مجدداً ما كان انقطع من وقوف العقل في وجه النقل.. شخص التخلف في أصنام ثلاثة: الجهل والمرض والفقر، وأعطى دواء التعليم أولوية في العلاج، صارخاً ملء حنجرته: (إن التعليم حق لكل إنسان تماماً كما الهواء والماء).. وبالفعل فقد تحقق مطلبه لكن بطريقة مشؤومة، إذ صار التعليم كالهواء والماء تماماً: ملوثاً فضلاً عن كونه شحيحاً! عاداه اليسار العربي ردحاً طويلاً من الزمن، ربما لانتماءاته السياسية التي لم تكن واضحة وضوح أفكاره، وربما لمواقفه التي بدت محافظة بعض الشيء، وربما لتقليدية لغته التي كتب بها بعض أعماله الإبداعية.. غير أن اليساريين فطنوا، وهم يغادرون قلاع الأيديولوجيا المتهاوية، إلى أن طه حسين سبقهم إلى رسم ملامح المشروع الحضاري الذي ينشدون، فاجتمع عدد كبير من رموزهم وخطوا له اعتذاراً متأخراً على هيئة كتاب صدر تحت عنوان (طه حسين: العقلانية، الديمقراطية، الحداثة)... لماذا لا يزال طه حسين حاضراً بيننا؟ لا شك أن عمق تشخيصه، ونفاذ أفكاره، وجرأة أسئلته تقدم جزءاً من الإجابة. أما الجزء الآخر فيقدمه واقعنا نحن، ذلك أننا لم نبرح حقيقة زمن طه حسين.. لم ننجز أياً من أحلامه أو نقدم إجابة على أي من أسئلته التي لا تزال مشرعة.. طه حسين لا يزال طازجاً.. لأنه عظيم ولأننا لا نزال نراوح في مكاننا. |
|