|
معاً على الطريق فالأب داخل الأسرة سياسي بامتياز كما الأم, والأستاذ كما الإداري, والقاضي كما الشرطي, والحاكم كما المحكوم, كل يمارس السياسة في حقل فاعليته. ويقال عادة إن السياسة لا تكترث في فعلها بعالم القيم, بل إن العلاقة الرئيسية هي بين السياسة والمصلحة, حسنا لنصدق هذا القول ولنعمل به, ولكن لنحدد قبل ذلك مفهوم المصلحة والتي جمعها مصالح. المصلحة ما يعود بالفائدة على شخص أو جماعة أو أمة أو على الإنسانية ككل, هذا التعريف المجرد لا ينفي أمرا مهما ألا وهو تناقض المصالح, الذي سأحدثك عنه أيها القارئ العزيز. فمن مصلحة الأب في الأسرة أن يؤمن لأفراد أسرته ما يساعدهم على العيش والتعليم ويوفر لهم سبل الحياة في المستقبل, ويساعدهم على شق طريق الاستقلال. هذه المصلحة تحتاج إلى سياسة من قبل الأب, السياسة هنا هي الطريق لتوفير ما هو ضروري لتحقيق أهدافه السابقة. هَب أن -أباً سرق خزنة صديقه لتحقيق ما يريد, فإنه عمليا قد اعتدى على مصلحة صديقه. وهذا يعني أن المصلحة يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من فكرة الحق, فالغاية النبيلة لرب الأسرة لا تتحقق بوسيلة وضيعة, لأن الوسيلة الوضيعة قد نالت من حق آخر. هذا المثال البسيط يقودنا إلى السياسة بأرق مظاهرها ألا وهي الحكم. فمقصود الحكم هو سياسة المجتمع وتحقيق المصالح ووضع حد لتناقض المصالح الذي قد يؤدي إلى خراب المجتمع, حتى ليمكنني القول: إن السياسة الحكيمة هي سياسة إدارة تناقض المصالح والوصول إلى انسجامها وتعايشها دون اعتداء على الحق. وعلى هذا الأساس فمقصود الحكم هو المصلحة العامة, والمصلحة العامة فقط, وكلمة عامة هنا تشير إلى مصالح جميع أفراد المجتمع دون استثناء. وإذا حصل أن كان للحكم مصالح خاصة متناقضة مع مصالح المجتمع، فإننا نعيش مفارقة غريبة وعجيبة لا تحل, وحتى لو ظن أنها قابلة للاستمرار فإنها أجلا أم عاجلا ستؤدي إلى نوع من الخراب, وأحيانا إلى خراب مطلق. فإذا كان الحكم هو الذي يحل تناقضات المصالح وصراعها في المجتمع، فمن سيحل تناقضات المصالح وصراعها بين سلطة الحكم وبين المجتمع؟من؟ واعتداء السياسة على الحق كارثة ما بعدها كارثة. وعلى مستوى كوكب الأرض في هذه المرحلة من التاريخ فإن التناقض قائم بين مصالح الولايات المتحدة وبعض أتباعها ومصالح البشرية, وبالتالي تقوم سياسة هذه الامبراطورية القوية على أساس الاعتداء الصارخ على مصالح المجتمعات البشرية, أي على حق البشر, ولهذا فإن الولايات المتحدة تنصب نفسها على العالم تماما كما تنصب السلطة الحاكمة ذات المصالح الخاصة نفسها على المجتمع. وهذا هو السبب الذي يجعل التناقض حادا بين سياسة الولايات المتحدة وشعوب الأرض, وهذا هو السبب الوحيد الذي يجيب على سؤال طرحه الأميركيون مرة على أنفسهم: لماذا يكرهنا الآخرون، وإن كان السؤال الأدق لأميركا هو: لماذا تكرهون الناس على كرهكم. |
|