تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ضاحية حرستا...القشـــة التـي قصـمت ظهرها؟...خدمات منتهيـة الصلاحية..ومخالفات بالجملة.. والمتهــم الموازنة..!

تحقيقات
الثلاثاء 10-3-2009
ميساء الجردي وبراء الأحمد

ما إن يمنّ الله علينا بالأمطار بعد طول انتظار حتى تنقلب فرحة الأهالي بنعمة السماء إلى نقمة، وينكشف المستور في بعض مناطق دمشق منها ضاحية حرستا على مشكلات جمة لا يحسدون عليها لها علاقة بالبنية التحتية وسوء التنفيذ والتخديم معاً، لتكون تلك الأمطار كالقشة التي قصمت ظهر البعير،‏

حيث تجمعت مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي وتسللت إلى أقبية الأبنية وتغلغلت في جدرانها، فتحولت من ازعاجات إلى كابوس يومي بات يقلق راحة القاطنين، هذا ناهيك عن بعض الظواهر التي صادفتنا أثناء تغطيتنا تلك المشكلة من مخالفات في الأبنية والمحال التجارية.‏

معاناة الأهالي‏

تعددت الطرق التي يحاول الأهالي استخدامها للتخلص من تلك المياه المتجمعة في أقبية أبنيتهم، فالمشكلة الأساسية هي فيضان مياه الصرف الصحي، ويأتي المطر ويكمل عليها، ومن الأهالي من فقد الأمل بمساعدة المعنيين لهم في حل تلك المشكلة التي تظهر على أرض الواقع كلما انهمرت الأمطار، فيحاولون سحب المياه بأساليبهم البسيطة وضخها خارج البناء إلى الطريق العام، ومنهم من فضل الرحيل ونقل ما استطاع حمله من حاجياته إلى منزل آخر سواء عند أحد الأبناء أم الأقارب ريثما تحل مشكلتهم.‏

ذاب الثلج‏

هذه فحوى شكوى أهالي الضاحية الذين التقيناهم عند أحد المحاضر المتضررة، وكانت المياه المتجمعة قد جفت قليلاً بعد انقطاع المطر في اليوم الثاني، ورغم هذا ما زالت كمية منها محصورة في قبو البناء ويحاول القاطنون فيه سحبها خارج البناء عبر مضخة صغيرة، لكن مشكلتهم أنهم خلال عملهم هذا طافت عليهم مياه مجرور الصرف الصحي والذي زاد الطين بلة واختلطت مع مياه الأمطار المحصورة مجدداً.‏

الأهالي قالوا إنها مشكلة دائمة وتترافق مع هطول الأمطار التي تسيل إلى الأبنية المنخفضة بسبب انسداد الريكارات وعدم تصريفها للمياه الزائدة، ويتخوف الأهالي من هذا التسرب المستمر من أن يؤثر على أساسات البناء، هذا غير الروائح الكريهة المنبعثة من تلك المياه الآسنة.‏

روتين‏

إحدى القاطنات في المحضر المجاور أكدت كل ما قيل وأضافت إن الروتين أصبح قاتلاً والبلدية لا تعير اهتماماً للشكاوى والمياه التي أغرقت القبو أدت لأعطال الشوفاجات والأمتعة واتلفت بعض المواد الموجودة في الأسفل، وهي ليست المرة الأولى التي تطوف فيها المجاري وتعود إلى البيوت.‏

في حين عدد من الأهالي قالوا إنهم قدموا شكوى أكثر من مرة للمعنيين والذين كانوا يقومون بالكشف على المكان ويقدمون بعض الحلول الآنية والتي ما تلبث أن تعود إلى نفس المشكلة، لأن السبب يعود إلى ضيق كبير في قساطل المجاري الأساسية، وقليل من الأتربة والأوساخ يغلقها تماماً وتصبح غير قادرة على التصريف.‏

والبعض قال: عندما جاء عمال الطوارئ لمعاينة المكان الذي طافت فيه المياه لم يفعلوا شيئاً، بل طلبوا دفع 1500 ل.س من الأهالي مقابل فتح الريكار المغلق باستعمال الصاروخ، ويرون أن المشكلة لن تحل هكذا فلابد من تغيير القساطل القديمة بجديدة وأعرض منها ولعدة أمتار في الشارع.‏

فضّلوا الرحيل‏

وعلى ما يبدو أن الأبنية المنخفضة كانت الأكثر تضرراً وقد صادف وجودنا عدد من الأشخاص يحملون أمتعتهم ويضعونها في سيارة لمغادرة المنزل وعند سؤالنا لهم عن السبب قال صاحب المنزل: طافت مياه الصرف الصحي عند جيراننا وبدورها طافت علينا من منور البناء وعبر نوافذ الحمامات وانتشرت إلى مفروشات البيت وسببت أذية كبيرة فيها تراوحت بين 70- 80 ألفاً من فرش البيت وقد طلبت الطوارئ على حسابي عدة مرات، ولم أستفد شيئاً، فقررت ترك المنزل والسكن عند أولادي ريثما تحل المشكلة.‏

سوء التنفيذ‏

بعد سماعنا لتلك المشكلات استكملنا جولتنا في الضاحية وبدت شوارعها قديمة لم تلامسها الحضارة منذ فترة طويلة، كانت الطرقات التي تصل المحاضر ببعضها محفرة بسبب أكوام الأتربة والقمامة وغياب المصارف.‏

وفي أحد المكاتب العقارية أكد صاحبه أن جميع الأبنية في الضاحية تعاني من هذه المشاكل (صرف صحي، تهريب مياه، تنشاية، و...) وذلك واضح على الشكل الخارجي للأبنية وليس على الأقبية فقط وأضاف نحن كمكتب عقاري تأتينا الشكاوى باستمرار من أصحاب الشقق المؤجرة التي نبيعها ونقف عاجزين عن الحل لأن من الواضح جميع الشقق مرتبطة ببعضها وتعود لمشكلة واحدة هي سوء التنفيذ من المتعهدين وهذا يعني أن التمديدات الصحية والمصارف لم يكن متعوباً عليها من الأساس.‏

كلاب شاردة وناموس‏

أما في بعض الجزر فتركزت شكوى المواطنين حول مسألة القمامة والذباب والروائح الكريهة المنبعثة منها ووجود الكلاب الشاردة والجرذان وغيرها من المنغصات التي تدل على مستوى الخدمات والنظافة حيث الناموس والبرغش الذي تبدأ تحركاته وفاعليته في بداية الصيف وللأسف سمعنا أكثر من مرة أن هناك طرقات جديدة يتم فتحها وهذه الأكوام من الأتربة سيتم ترحيلها وسيزرع مكانها الأشجار ولكن حتى الآن ومنذ أكثر من عشر سنوات لم يلاحظ أي شيء من هذا.‏

وهناك حالة رعب يعيشها أطفال تلك المنطقة بشكل يومي بسبب وجود عدد كبير من الكلاب الشاردة والتي يفوق عددها 300 كلب حسب قول الأهالي تتجول في شوارع الضاحية بأصواتها المخيفة وهذا يلاحظ في المحضر (17 - 18).‏

وفي بعض المحاضر المواطنون هم المسؤولون عن نقل القمامة من الشوارع غير المخدمة، وفي بعضها أيضاً يوجد فيها قمامة تحتاج لثلاث سيارات لنقلها وحسب رد البلدية لهم وعلى لسانهم (انقلوها على حسابكم).‏

مخالفات بالجملة‏

المخالفات هي القصة المستمرة، فالضاحية التي صممت على جزر يفصلها مساحات خضراء وشوارع عريضة ومساحات مخصصة للحدائق والمرآب، هي اليوم تغص بالمخالفات، فقد تحول كل ذلك إلى محال وأبنية وعلى لسان الأهالي يوجد أكثر من 88 محضراً مخالفاً ومخالفة مكشوفة وعلنية منها تحويل الطوابق الأرضية والأقبية إلى محال تجارية أو إلى شقق سكنية للبيع أو التأجير، واستغلال الوجائب في أبنية إضافية للاستفادة منها وكأنها تخص هذا المواطن دون ذاك.‏

أحد الأشخاص في الجزيرة ب1 محضر 37 حوّل الطابق الأرضي إلى ستة محال وقام بتأجيرها.‏

والحقيقة أن مشكلة المخالفات أسوأ من ذلك بكثير، فالأهالي الذين اختاروا منازلهم وفق المخطط التنظيمي للمنطقة، اشتروا بأسعار مرتفعة على أساس الشوارع الرئيسية العريضة والحدائق وغيرها وبحسب المخطط الأول، قررت حديقة وسط الضاحية، لكن تحول مكان الحديقة إلى بناية كبيرة مخالفة وواضحة، وهناك العديد من المراكز الرياضية ومراكز التجميل والمكاتب العقارية التي افتتحت ضمن أبنية مخالفة، مضافاً إليها المحال التي تعدت على الأرصفة فالطريق الذي يفترض أن يصل الجزيرة ب1 مع الجزيرة ب4 ذهب نصفه لأصحاب المحال التجارية.‏

ومن الأخطاء المعروفة للجميع هي المدرسة التي وصلوا في بنائها إلى المراحل الأخيرة، لكنها لم توضع بالخدمة، فقد اكتشفوا فجأة أنها غير صالحة وأن التربة لا تتحمل البناء ومنذ سنوات والأمر على ما هو عليه.‏

أصحاب القرار‏

بالعودة إلى المهندس شادي احسان رئيس بلدية الضاحية والسؤال عن حيثيات المشكلة وسبب الصمت حيال الخدمات والمخالفات، أوضح أن الشكاوى التي تأتي إليه بخصوص الريكارات وفيضان الصرف الصحي في الأقبية والبيوت كثيرة جداً، وسكان الجزيرة ب2 تحديداً اتصلوا بالبلدية وقدموا شكوى، وقد أرسلنا العامل إلى المكان لكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً، ونحن كبلدية لا نملك صاروخاً لتصريف المجاري، ولا نملك القدرة على الإصلاح الفوري. وقال: أنا لا أملك 20 آلية ولا 600 عامل ولست في منطقة أبو رمانة، أنا بضاحية مساحتها 250 هكتاراً ولا تزال قيد التعمير وفيها أكثر من 13 ألف شقة سكنية وبالتالي لست مجبراً على الإصلاح لكل شخص يشتكي والمشكلة موجودة في أكثر من مكان ونحن لا نملك حلاً جذرياً لأن الريكارات سوف تغلق اليوم وبكرة وبعده بسبب البنية التحتية وسوء التنفيذ وكثرة الأبنية التي تصب على نفس الريكار، حيث وضعت الريكارات على أساس كل ستة أبنية تصب في مكان واحد، أصبحت الآن كل 20 بناء تصب على نفس الريكار، في حين البواري (المجاري) ضيقة ولا تتجاوز الـ 30 انشاً، وعلى هذا الوضع الجديد يفترض أن يكون قطرها أكثر من 70 انشاً.‏

وبالتأكيد ان استبدال كل ما تحت الأرض من صرف صحي مسألة ليست بإمكانية البلدية.‏

مقيدون بالموازنة‏

وحول مسألة سوء الخدمات، يرد رئيس البلدية قائلاً: نحن بلدية درجة رابعة ونعامل على أساس عدد سكان الضاحية ثلاثة آلاف نسمة في حين عدد السكان الآن يفوق الـ 50 ألف نسمة، فالميزانية لدينا ضعيفة جداً وبهذه الموازنة لا أستطيع تخديم سوى ثلاث جزر فقط، ففي العام الماضي قمنا بتمديد خط لا يتجاوز الـ 300 متر، صرفنا عليه نصف الميزانية وإذا قمنا بمشروع ثانٍ فسوف نصرف القسم الثاني من الميزانية والتي لا تتجاوز الـ 4 ملايين ليرة سورية مضافاً إليها 400 ألف ليرة سورية ميزانية إصلاحات، وهي بالكاد تكفي لأربع تصليحات صغيرة جداً.‏

حالة طارئة‏

بعيداً عن مشكلات الميزانية، الآن يوجد حالة طارئة وبعض الأهالي متضررون من مياه الصرف الصحي التي فاضت على منازلهم فما الحلول المباشرة لمساعدتهم وبخاصة أننا لاحظنا أثناء دخولنا إلى مبنى البلدية أكثر من 40 عاملاً يتوجهون إلى منزل المحافظ، فكم عدد العمال الذين توجهوا إلى بيوت الأهالي؟‏

يوضح رئيس البلدية أنه منذ شهر وهو يحاول تصريف الأماكن المسدودة وقد وجد في أحد الريكارات دواليب وبقايا عربات صغيرة، إضافة إلى نقص العمال، فالبلدية ليس لديها سوى أربعة عمال ولا يوجد في كل بلديات ريف دمشق سوى صاروخين فقط وعندما نطلبهم اليوم لا يأتون إلا بعد ستة أيام.‏

أما العمال الأربعون الذين تسألين عنهم، فهم عمال قمامة للمتعهد الجديد وقد أرسلناهم إلى منزل المحافظ لأننا نختلف حول موعد حضورهم منذ الصباح.‏

وحول ما يقوله الأهالي إنهم يدفعون أموالاً أجور فتح المصارف هذا يحدث ولكن ليس للبلدية بل للطوارئ الذين يأتون بعد الظهر.‏

لا مخالفات ولا تسوية‏

وفي وقفة ثانية مع بلدية الضاحية حول مسألة المخالفات العلنية وكيفية التسوية وضبوط المخالفات وغياب الحدائق، يؤكد رئيس البلدية أن الطريق الذي يصل ب1، مع ب2 هو سوق تجاري نظامي معروف أما المخالفات فهي تتركز بالحدائق التي بين الجزر وفي المنازل وهي مخالفات قديمة عمرها سنوات وليس أشهراً.‏

وقال: لقد ضُبطت مسألة المخالفات بعد استلامي ولا يوجد أي مخالفة، ولذلك ليس لدينا ضبوط حديثة مسجلة سوى ضبوط تخص مخالفة بسبعة محال تجارية قمنا بهدمها وفق القانون رقم 1 لعام 2003.‏

أما تسوية المخالفات، فقد منعت من المحافظة منذ الشهر الثامن للعام الماضي وفق قرار نظامي يشير إلى منع التسوية والمعالجة على المخالفات ومن حينها لم يحدث أي تسوية وبالنسبة للحدائق توجد حديقة في المحضر رقم 20 الجزيرة ث2 وهناك خلاف حولها، فهل هي حديقة أم بناء أم مكان للخدمات وهي حالياً بناء يشيد بين أربعة أبنية سكنية ورأي الأهالي أن المكان هو حديقة، ولذلك فإن هذه البناية لا تزال على العظم، وتوجد الآن دراسة عامة للمنطقة من اللجنة الاقليمية وسيتم بحث أمر هذا البناء خلال صدور المخطط التنظيمي لعام 2009 وحينها تقرر اللجنة الاقليمية في ابقائه أو إزالته أو تحويله إلى حديقة، أو مبنى خدمي كما هو في المخطط الأساسي.‏

كلام عام‏

يبدو أن أغلبية المشكلات في الضاحية لها جذور قديمة ومتفرعة وحين سؤالنا عن المدرسة التي شيدت ولم تستخدم حتى الآن أجاب: إن هذه المدرسة لم يتم تسليمها للبلدية حتى الآن وهناك مشاكل حولها بين مديرية التربية والمحافظة والبلدية ليس لها علاقة، وسمعنا من الأهالي كلاماً عاماً أن هذه المدرسة أساساتها غير صحيحة وأنه بعد دراسة التربة تبين وجود صرف صحي تحت الأساسات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية