|
شؤون سياسية بحجة إسرائيل المهووسة بالخوف من النمو الديمغرافي للفلسطينيين، وهو قاطع في رفضه التخلي نهائياً عن الجولان السورية المحتلة كما هلل خلال حملته الانتخابية، وأكثر من ذلك فهو لا يطيق فكرة إقامة دولة فلسطينية خوفاً من أن تسيطر عليها حماس، والمعروف أن النضال لإقامة دولة فلسطين المستقلة حسب السلطة الفلسطينية لا يتجاوز في مساحته 22 بالمئة من مساحة فلسطين أيام الانتداب البريطاني، إنها دويلة مرفوضة إسرائيلياً حتى ولو كانت بمساحة مشتل بقدونس. هذه ملامح المشهد السياسي المنتظر في المرحلة المقبلة التي لم نلتقط منها سوى نقطة ايجابية واحدة هي إمكانية التعاون الاقتصادي مع الفلسطينيين. وقد بدا احتضان العالم ومباركته لهذه الملامح واضحاً عندما بادر إلى مباركة نتائج هذه الانتخابات مهما كانت نتائجها، ومن دون إشراك حماس بادرت إلى عقد مؤتمر الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة حيث رمى العالم فوق طاولة شرم الشيخ بخمسة مليارات دولار تقريباً، بعدما زينها بالكثير من الزهور الجميلة المستوردة من هولندا، والتي لم يحظ بواحدة منها أو من مثيلاتها البرية المهملة النابتة على أبواب الأنفاق أي من آلاف الأطفال الذين غاروا بأجسادهم الطرية الناعمة في رمل القطاع تحت حمم حزب العمل ايهود باراك وكاديما تسيبي ليفني. يأتي هذا المؤتمر في الوقت نفسه الذي تشهد فيه الضفة الغربية احتجاجاً على قرار السلطات الإسرائيلية بطرد 1500 فلسطيني وتدمير 88 منزلاً في منطقة سلوان ومصادرة أراض لبناء مدرسة دينية يهودية فوقها، وتنشيط المخططات التوسعية في حي البستان في القدس كما الاستمرار في ورشة الحفريات في أسفل المسجد الأقصى وهدم حارة المغاربة لتحقيق ثلاثة عناوين هي الاستيطان والتهويد والتهجير. وكشفت الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني/يناير 2006 عن فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، التي أعقبها عدم الاعتراف بنتائجها «لتطرفها ومغالاتها وعدم اعترافها بإسرائيل» ما أدى إلى قطع الغرب المساعدات عنها وجرها إلى معارك واشتباكات داخلية دامية مع فتح حول المسائل الأمنية الشائكة وعلى خلفية محادثات قيام حكومة وحدة وطنية إلى الهجومات الإسرائيلية على غزة واعتقال الجيش الإسرائيلي 33 وجهاً بارزاً من حماس الأمر الذي آل إلى قيام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارىء حيث قام على إثره الجناح العسكري لحماس بإعلان سيطرته التامة على قطاع غزة، ما جر العالم بمعظمه لأن يقف صامتاً أمام الحصار والقتل والتجويع وإقفال المعابر على حماس، وكان آخرها حرب «المعتدلين» الإسرائيليين على غزة في 27 كانون الأول 2008 التي دامت أكثر من ثلاثة أسابيع بهزيمة سياسية لإسرائيل وعدم قدرتها على الانتصار عسكرياً، كما كان متوقعاً قبل العدوان. ماذا تعني هذه المفارقات الصارخة المتكررة؟ تعني أيضاً وأيضاً أنه بات مثل المقدس في ذهن الكثير من الشعوب في الوطن العربي أن إسرائيل دولة لا تبغي السلام يمينية أكانت أم يسارية، وهي لا يمكن أن تجنح إليه كي يجنحوا هم إليه، وما يحصل من تحولات هائلة مقتصر على تحول بعض العرب نحو محاولات وأفكار ومبادرات ومعاهدات سلام. وقد يرتفع المشهد في مفارقاته وقساوة ملامحه في اكتناز وجه ليبرمان شريك نتنياهو صاحب فكرة «الترانسفير» التي تقول بتهجير الفلسطينيين وتهويد القدس كلياً وتفريغها، على الأقل، مرحلياً من الفلسطينيين. ليبرمان ولو أنه يسقط الكثير من عرقه البارد في كوب السياسة الذي يفتن أهل السلطة وهم يحبون نحو تسلم المسؤولية بعد تحقيق الفوز، فإننا لا ننسى أنه هو الذي سيجلس مكان تسيبي ليفني وسيكون الحبة المتطرفة التي ستنمو وسنرى ربما من خلالها مستقبل إسرائيل كما مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، إلى أين من هنا؟ صحيح أن جورج ميتشل مبعوث أوباما إلى الشرق الأوسط رجل فذ في حل العقد التي يعجز عنها صيادو الأسماك في سناراتهم، وهو قد لمع في أزمة إيرلندا عالمياً كحلال مشكلات مستعصية، وصحيح أنه كان قد قدم تقريراً إلى الرئيس الأميركي كلينتون في العام 2001 مفاده وقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية «كشرط للمباشرة و كتسوية مقبولة للصراع العربي الإسرائيلي»، لكن الصحيح أيضاً أن العالم تغير كثيراً في سبعة أعوام. قامت مفارقات هائلة بين الشعوب الميالة إلى التطرف في الصراع والحكام الميالين إلى التطرف في الاعتدال في عالم ضربت فيه أميركا بوش الشرق الأوسط، وهزت فيه شجرة الإسلام، وخلفت ندوباً قومية ووطنية وشروخات هائلة لم تيبس دماؤها بعد، ولا دواء لها سوى العدالة الدولية كما وردت في المواثيق والنصوص والمعاهدات الأممية، ولأن، والأصح من هذا كله أن سورية بقيت وتكاد تكون الدولة العربية الوحيدة المعاندة إلحاحاً في العدالة وإزالة للمفارقات الناتئة جداً في الصراع العربي الإسرائيلي على المستويين الإقليمي والدولي والتي قد تنقلب على الجميع بمن فيهم التغيير الأميركي. في ضوء هذا كله قرأنا ونقرأ برق الدكتور بشار الأسد في قمة الكويت الاقتصادية عندما أعلن دفن المبادرة العربية مطالباً تسجيلها في عداد الأموات، ولاقاه الملك عبد الله رعداً بالقول إنها مبادرة لا يمكن أن تبقى أبداً فوق الطاولة، بعدما كان رفعها في 2002 من بيروت وأثبتها وزراء خارجية الدول الإسلامية في طهران في أيار 2003. إننا في مرحلة جديدة استراتيجية متجددة في الصراع العربي الإسرائيلي وصراعات الشرق الأوسط والعالم مختصرها ردم المفارقات الناتئة بين الأنظمة والشعوب المسكونة بوهج غزة والجنوب والذاهبة بخطا غير واضحة نحو التغيير غير الواضح والذي ستكون محطتاه المنتظرتان مؤتمر الدوحة في آذار المقبل والمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط الذي تعد له موسكو والمرجح حصوله في الأشهر المقبلة. يقوى البرق والرعد في شتاء البلاد العربية هذا العام، وللعالم وخصوصاً واشنطن وتل أبيب أن تريا بريق دمشق وتسمعا رعد الرياض. كاتب وسياسي وأستاذ جامعي لبناني drnassim@hotmail.com/nassim.khoury@gmail.com |
|