تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جرائم حرب مع سبق الإصرار

عن موقع ALTER-INFO
ترجمة
الثلاثاء 10-3-2009
ترجمة: حسن حسن

عملية «الرصاص المنهمر» التي شنها جيش الاحتلال الاسرائيلي على غزة تبعا للمفهوم الشائع القوة غير المتكافئة والتي اعتمدتها كنظرية عسكرية تعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدولي.

واسرائيل ليست متهمة بارتكاب جرائم حرب بناء على الكثير من الشهادات الميدانية التي قامت بجمعها العديد من المنظمات غير الحكومية فحسب، بل هي أيضا تعمدت ارتكاب هذه الجرائم مع سبق الاصرار والتصميم.‏

«غابرييل سيبوني» العقيد الاحتياطي والعامل في معهد دراسات الأمن الوطني أوضح النظرية العسكرية الاسرائيلية الجديدة التي جرى استكمالها بعد حرب لبنان الثانية في صيف عام 2006، وتم تطبيقها خلال العملية الأخيرة في غزة. ما يمكن من فهم الأهداف الحقيقية للقيادات السياسية والعسكرية الاسرائيلية ويقيم البينة على أن جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل كانت متعمدة ومع سبق الاصرار والتصميم لإيقاع أكبر عدد من الضحايا والخسائر. والكلمتان الأساسيتان اللتان استعملهما «غابرييل سيبوني» تعكسان الانتهاك المنهجي والمتعمد للقانون الدولي.‏

القوة غير المتكافئة: التصور الاسرائيلي للرد‏

منذ زمن ليس ببعيد نوه زعيم حزب الله حسن نصر الله قائلا: سوف يفكر الصهاينة عشرات الآلاف من المرات قبل مهاجمة لبنان، ويبدو أن هذا الكلام كان ردا على تصريح لرئيس الوزراء ايهود اولمرت أطلقه خلال زيارة للقيادة الوسطى من أن القوة غير المتكافئة ستكون دون ضوابط وبلا حدود في المواجهات المستقبلية. فزعيم حزب الله بات يعلم علم اليقين أن تغيرا جوهريا يطرأ على المقاربة الاسرائيلية للرد على أي هجوم قد يأتي من لبنان.‏

وفعليا،فقد ظهر إلى العلن مفهوم الأمن الاسرائيلي المتعلق بطبيعة الرد على تهديد الصواريخ سواء من لبنان أو قطاع غزة وهو آخذ في التطور تدريجيا. حاليا يبدو بعد مضي أكثر من عامين على حرب لبنان الثانية أن الرد الاسرائيلي الفوري على عملية الهجوم التي نفذها حزب الله واختطافه لجنديين اسرائيليين في تموز من عام 2006 قد عززت وإلى حد بعيد قدرة الردع لدى حزب الله.‏

الوضع الصعب الذي تواجهه اسرائيل حاليا ينطوي على تحديين كبيرين هما: أولا كيفية تفادي الاحتكاك على الحدود الشمالية وعلى امتداد الجبهة مع قطاع غزة الذي تنامى في السنوات الأخيرة والثاني تحديد طبيعة الرد بالقوة غير المتكافئة في حال نشوب نزاع واسع النطاق على الجبهة الشمالية وقطاع غزة في آن معا.‏

وهذان التحديان يمكن التغلب عليهما باعتماد مبدأ الضربة غير المتكافئة ضد نقاط ضعف العدو كجهد حربي أساسي والقيام بعمليات للحد من قدرات اطلاق الصواريخ كجهد حربي ثانوي .‏

عند بدء الاعتداءات لابد للقوة غير المتكافئة من أن تحدث تأثيرا مباشرا وحاسما مقارنة بردود فعل العدو والتهديد الذي يشكله. ويهدف هذا الرد إلى إلحاق الخسائر وإنزال العقوبة بالعدو إلى حد أن هذا سيتطلب عمليات اعادة بناء شاقة ومكلفة ،ويجب أن تتم العملية بأسرع ما يمكن وإلحاق الخسائر والاضرار بالممتلكات أفضل من البحث عن منصات إطلاق الصواريخ الواحدة بعد الأخرى.ولابد أن يستهدف العقاب متخذي القرار وصفوة السلطة الحاكمة. بالنسبة لسورية يجب أن يستهدف العقاب الجيش والنظام والبنية الحكومية السورية، أما في لبنان لابد أن تطال الهجمات القدرات العسكرية لحزب الله والأهداف الاقتصادية والمراكز المدنية الحيوية التي تدعم الحزب في وقت واحد. زد على ذلك كلما كانت العلاقات بين حزب الله والحكومة متقاربة كان لابد من التعرض للبنى التحتية الحكومية في لبنان. إن مثل هذا الرد سوف يبقى راسخا في ذاكرة صناع القرار، وكذلك يعزز قوة الردع الاسرائيلية ويقلل من امكانية الاعتداء على اسرائيل ولردح طويل من الزمن وفي الوقت ذاته سوف يجبر هذا جميع الأطراف المعادية لاسرائيل التورط في اعداد برامج مكثفة لإعادة اعمار شاقة ومكلفة.‏

المناقشة التي جرت مؤخرا حول«الانتصار» والهزيمة في حرب مستقبلية ضد حزب الله أظهرت أن هذه المقاربة مفرطة في التبسيط. وعلى الجمهور الاسرائيلي أن يدرك أن النجاح عموما لايمكن أن يقاس بمستوى الرمي طويل المدى ضد اسرائيل وتكون نهاية المواجهة. ويمكن للقوة غير المتكافئة أن تقلل من الهجمات الصاروخية على اسرائيل لكن الجهد الاساسي لابد أن ينصب على تقليص مدة المعركة وذلك بإنزال ضربة موجعة ومؤثرة في مقدرات الخصم.‏

هذه المقاربة أمكن تطبيقها في قطاع غزة حيث كان لابد من ضرب حماس بشدة وتجنب الدخول في لعبة القط والفأر بحثا عن مطلقي صواريخ القسام. يجب ألا نتوقع من جانب القوة غير المتكافئة أن توقف اطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية الاسرائيلية بشن الهجمات على المطلقين أنفسهم ولكن تفرض على العدو وقف اطلاق النار باستخدام وسائل عديدة ومتنوعة ،وإذا ما ألقينا في روع الجمهور الاسرائيلي ضرورة الرد بالقوة غير المتكافئة سيكون بمقدور اسرائيل رفع درجة الجاهزية والاستعداد لدى مواطنيها. بيدأن الهدف الأساسي للقوة غير المتكافئة يجب أن يكون للحصول على وقف لإطلاق النار بأفضل الشروط التي ستزيد من قدرة اسرائيل على الردع ولأمد طويل، ومنع حصول توتر على حدودها، وترك العدو يتخبط في عمليات اعادة اعمار طويلة وباهظة التكاليف..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية