تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لنأخذ بنصائح داغان

هآرتس
ترجمة
الأثنين 13-6-2011
ترجمة: ليندا سكوتي

يعيش مائير داغان الرئيس السابق لجهاز المخابرات (الموساد) حالة من القلق المشوب بالتحسب إزاء الخشية من إقدام إسرائيل على شن هجوم مباغت على إيران.

بينما يرغب معظم السياسيين وعدد كبير من الصحفيين الإسرائيليين التزامه الصمت المطبق مثيرين فينا الكثير من الاستغراب والاستهجان معا. وهم في موقفهم هذا يريدون النأيّ بأنفسهم وعنا مشاعر الخوف التي ينفثها أو أنه يوقظنا بتحذيراته من سباتنا العميق. ويرون بأن علينا أن نترك هذا الأمر المصيري إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك يقرانه لوحدهما فقط. وما علينا سوى السير خلفهم والانقياد لآرائهم كالعميان دون أن نأخذ بالحسبان ما يمكن أن تتعرض له البلاد من مخاطر.‏

ثمة خطاب شعبي يدور في الساحة الإسرائيلية يقضي بتكريس الجهود الرامية لإسكات داغان، إضافة إلى اختلاق القصص التي تنال من سمعته كرئيس سابق للموساد عمد النأي بنفسه عن تلك المغامرة المحفوفة بالمخاطر بالإقدام على الاستقالة من منصبه تاركا ساحة القرار إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع اللذين يرى بهما مصدر الخطر. لكنه لم يستطع الصبر طويلا وعمد إلى كسر جدار الصمت وقال ما يجب أن يقال.‏

يتعين علينا أن نثني على تصرفه المسؤول والشجاع الذي عبّر به عن قلقه كمواطن نظرا لثقته وإيمانه أن شن مثل هذا الهجوم سيشكل تهديدا لوجودنا برمته. ووجد لزاما عليه أن يرفع صوته عاليا ليسمعَ الجميع وأن يبذل قصارى جهده لوقف ما يحاك من تدابير لتنفيذ هذا الأمر إذ إنه لو أحجم عن هذا التصرف فسيعتبر نفسه مسيئا لدوره وموقعه السابق كرئيس للموساد.‏

نتساءل عما سيفعله المرء لو كان في موقع داغان ويعرف ما يعرفه ورأى ما يراه. فهل كان من المسوغ منه التزام الصمت الذي يجعل منه مخلا بواجبه الوطني؟ ذلك لأن كل ما فعله داغان هو إبداء مخاوفه من الوقوع ثانية في حرب كحرب يوم الغفران التي لو وجد مسؤول في ذلك الحين يحمل أفكارا مماثلة لحال دون اندلاع تلك الحرب أو أنها لم تنته بالشكل الذي آلت إليه نتائجها. وعلينا في هذا السياق، أن نتصور ضابطا كبيرا متقاعدا ظهر في ذلك الوقت وعلا صوته على الملأ منذرا بحرب مرعبة وشيكة الحدوث فهل كان سيتعرض إلى ذات المواقف التي تعرض لها داغان اليوم؟‏

إن الوطنيين الذي يدعون داغان للسكوت والصمت بدعوى الأسباب الأمنية هم في الواقع من يعرض أمن إسرائيل للخطر وليست التحذيرات التي أطلقها داغان علما بأنه لم يكشف سرا واحدا من أسرار الدولة بل إن كل ما فعله هو إبدائه بعض المخاوف والتخمينات مما قد يحدث والتي لم يقلها عندما كان في موقع المسؤولية. ولاريب بأن صمت داغان هو الذي يمكن أن يفضي إلى حدوث ضرر في الأمن الإسرائيلي. بينما أقواله هي التي ستسهم في تعزيز الأمن. وبذلك على الذين انتقدوا تصرفاته في الماضي أن يحيوه على شجاعته التي تثير الإعجاب. وأن يسعوا إلى منحه وسام الشجاعة لأنه بموقفه هذا عبر عن بطولة حقيقية أكثر من العمليات التي قادها وكرم من أجلها من قبل قيادة الجيش.‏

لا يعتبر داغان يساريا، بل على عكس ذلك. إذ كانت تصريحاته المعلنة مشوبة بالتناقضات المذهلة، فهو يتحدث عن مبادرة السلام العربية لكنه يعارض العودة إلى حدود عام 1967. ويقف ضد الحرب بينما يرى ضرورة الاحتفاظ بمرتفعات الجولان. أما بالنسبة للحرب مع إيران فقد كان يمثل صوت العقل في إسرائيل. ومن غير المسوغ لأي جهة أن تنعته بالجنون خاصة من الذين أوكلوا إليه قيادة الموساد لمدة ثماني سنوات. ولو أخذنا بوصف أحد المسؤولين السياسيين الذي ظهر في القناة العاشرة له من كونه رجلا مجنونا فإن مسؤولية تسميته لهذا المنصب تقع في ذمة رؤسائه الذين أسندوا إليه تلك المهمة.‏

ثمة أمر آخر على الأجندة يفوق ما أبداه داغان المواطن: ألا وهو طبيعة الحوار الدائر في الساحة الإسرائيلية ذلك لأن أولئك الذين يسعون إلى إسكاته هم من يبذل الجهود للحؤول دون قيام حوار شعبي ويرون بالتحذيرات مجرد ثرثرة فارغة المضمون لأنهم يريدون أن يكون المجتمع صامتا. لكننا إذا ما استيقظنا ذات صباح على هجوم إسرائيلي يشن على إيران بكل ما يحمله من تداعيات مخيفة فعندها نستطيع معرفة من تسبب بالضرر لأمننا القومي.‏

إن السياسيين عندما يحاولون تجاوز الحوار فهم في الواقع يهدفون إلى التصرف في البلد والجيش وفقا لرغباتهم. لكن عندما نرى الكثير من المعلقين والمراسلين ينهجون نهجهم في هذا المضمار فذلك يدل على خطأ لدور الإعلام في المجتمع الحر ويبدو بأنها ليست المرة الأولى التي يتناسى بها الصحفيون عملهم الأساس ألا وهو دق ناقوس الخطر على غرار ما فعله رئيس الموساد السابق لإيقاظ مجتمع قد التزم الصمت منذ أمد بعيد ويبدو أن وسائل الإعلام لدينا بدلا من أن تسعى لإيقاظه تبذل جهودها لتبقيه في حالة من الشلل التام.‏

 بقلم : جدعون ليفي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية