تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحبُّ.. هل يتحول إلى كره

شباب
13 / 6 /2001
طيف محمد

لا تجهد نفسك كثيراً بالتفكير، كيف تحولت صورهم التي كنا نهواها إلى ملفات محذوفة في طيات الذاكرة، وكيف تبدلت أسماؤهم في سجلات هواتفنا إلى مجرد أرقام صامتة، بعدما كنا نرقص فرحاً على

نغمات رنينها، كيف أصبحت الأماكن التي جمعتنا بهم، غابات موحشة نتجنب عبورها وحيدين.‏

أصدقاء أحباء وأقارب، تشاطرنا معهم لحظات الفرح والحزن وتجرعنا بقربهم أجمل سني العمر، تبادلنا كلمات المحبة والتهنئة في المناسبات، أضحينا نرفض حتى استحضار ذكراهم في مرآة الذات.‏

فما الأسباب التي تبدل الحب كرهاً، والمشاعر الرقيقة إلى قسوة وبغضاء؟‏

خيبات الأمل‏

بارعون نحن في رسم صور من نهواهم، فلطالما اختلقنا الأعذار لأصدقائنا وبررنا لهم الكثير من المواقف والتصرفات، وكنا نتجنب مواجهتهم كي لا نخدش مشاعرهم أو نربكهم بالتبرير لأخطائهم وأفعالهم المسيئة، إلا أن توالي قطرات المطر على صخرة حجرية قد يفتتها، وهذا ما يحدث فعلاً في أواصر محبتنا مع مرور الزمن، تبدأ بالتفكك والتحطم شيئاً فشيئاً بعد كل خيبة أمل مفاجئة.‏

يقول الدكتور صالح بريك في كتابه «الكره واللا تسامح مع الآخر»:«يبدو المحب كزبون اختار سلعة جذابة فيها شيء من الغموض المشوق والميزات المجهولة التي تدفعه بشغف للتعرف على كنهها لذا بعد فترة من اكتسابها واستخدامه لها، يبدأ بالوقوف على السلبيات الموجودة فيها أو على عيوبها تمهيداً لركنها أو التخلص منها».‏

الخيانة العاطفية‏

قد تكون الخيانة أحد أكثر الأسباب الشائعة لتحول الحب إلى كره، ففي الخيانة جرح عميق للأحاسيس والمشاعر، وبالأخص من أولئك الذين منحناهم ثقتنا وتعاهدنا معهم على الوفاء، فالخيانة قد تشوه صور من أحببنا وقد تكون مبرراً منطقياً لتحول المشاعر العذبة إلى كره وضغينة.‏

القسوة الزائدة والاهمال‏

يسعى الشخص المحب إلى التفاني والإغداق في الإفصاح عن مشاعره، وتقديم يد العون والمساعدة كلما طلبه الطرف الآخر وتختلف طريقة تعبير كل منا عن محبته تبعاً لطبيعة علاقتنا بالطرف الآخر، وأكثر ما يهشم جدار محبتنا ويحطم مشاعرنا تجاه الآخرين، مقابلة الحب بردود أفعال باردة وخالية من العاطفة، ما شكل لدينا حالة مناعة تمنعنا من الإفصاح عن مشاعرنا وينتهي بنا المطاف إلى ما يسمى بالبرود العاطفي وتبلد المشاعر والأحاسيس، فنحاول أن نملأ الفراغ العاطفي بمشاعر أخرى وقد يستبدلها البعض بالكره نتيجة استيائه من الارتطام المتكرر بحاجز القسوة والاهمال.‏

الحب أعمى‏

يقال إن الحب أعمى لأنه يحجب عن أنظارنا أخطاء وعيوب من نحب، ولكن مع تلاشي تلك المشاعر وزوالها تتوجه عيوننا مباشرة إلى عيوب وهفوات أولئك الأشخاص فنبرع في التنقيب عن أخطائهم، وتصبح نواقصهم أحاديث نتغنى بها، ويطرب لها خصوم من كانوا أحباء، ربما لأننا حين نردد على مسمع الآخرين عيوبهم، نقنع أنفسنا بطريقة أو بأخرى أنهم لا يستحقون تقديرنا أو اهتمامنا، فنحن بحاجة إلى تبرير يساعدنا على تحويل مشاعرنا الإيجابية تجاههم إلى سلبية.‏

ويبقى السؤال.. لمَ لا نتسامح مع أولئك الذين سقطوا من عين القلب، فنركنهم في زوايا أخرى ونجعلهم في طي النسيان؟ لماذا نتيح لهم أن يشغلوا مساحة من تفكيرنا بعدما احتلوا لمدة، مساحة من مشاعرنا وعواطفنا الصادقة؟!‏

فالكره يولد الحقد والرغبة بالانتقام ويحول المساحات البيضاء في قلوبنا إلى حجر مظلمة وأركان تفتقر نور الأمل والضياء.‏

لنطهر عقولنا وأفكارنا من كرههم.. لنستطيع أن نركن في حنايا قلوبنا من استحقوا فعلاً لقب أحباب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية