تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الكتـــــاب الذهبـــــي وروائــــــع التــراث

ثقافة
الخميس 16-6-2011
مهاة فرح الخوري

العلامة صفوة وإن كان معروفاً على مستوى العالم، أي صيته ذائع وطبق الآفاق، فإنني أجد من واجبي التعريف به، في مقال قد لا يفيه حقه، ذلك بمناسبة صدور كتابه الموسوعي الجديد، وإلقائه لمحاضرة في مركز دبي لفن الخط العربي.

الدكتور نبيل ولد في بغداد- حين كانت «بلد الرشيد» ويسكنها أهلها الأصليون وأبناؤها المقدرون لحضارتها التي لا مثيل لها... أما والد نبيل وكان المغفور له«فتحي صفوة» عراقياً متقناً للنحت والفن.‏

هذا ما يجلعنا لا نستغرب ما بلغ الابن نبيل من مركز علمي فني«فالابن سر أبيه».‏

نشأ الدكتور نبيل وترعرع في بغداد، بمزيج من الأصول والتقاليد والأعراف العربية التي بقيت مطبوعة في القلب والفكر.‏

غادر العراق باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة دراسته في الفيزياء كمرحلة أولى- وما لبث أن سار باتجاه الفنون الجميلة وتاريخ الفن وكأنه حمل في قلبه وفي نظره حضارة بغداد القديمة الشامخة أبد الدهر.‏

وفي الولايات المتحدة حصل على شهادة الماجستير ثم على الـP.H.D في تاريخ الفن الإسلامي، وتخرج في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية S.O.A.S في جامعة لندن.‏

تركزت ميول العلامة«صفوة» واهتماماته على الخط الإسلامي وانصرف إليه كلياً، كتابة وإخراجاً.‏

كان دوره الإعلامي والإذاعي عبر الإذاعات العربية، كبيراً وذلك من خلال سلسلة أبحاث عن الفن الإسلامي.‏

أما مؤلفاته فعديدة ومنها: فن القلم (دراسة في محتويات مجموعة ناصر خليلي للفن الإسلامي) جامعة أوكسفورد،«تناغم الحروف» وهو دليل لمعرض أقيم في الكويت، وكتاب عين المقتني في «فن الخط» من خلال المصاحف والمخطوطات العربية والإسلامية.‏

ألقى الدكتور نبيل صفوة محاضرات عديدة في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية (جامعة لندن) وغيرها وفي 30 نيسان 2011 ألقى محاضرة، كما أشرت بدعوة من مركز دبي لفن الخط العربي، وبرعاية معالي الأستاذ محمد المر وهو من أكثر المهتمين والمحبين للخط العربي الإسلامي.‏

لم تكن المحاضرة أكاديمية بالمعنى الحرفي للكلمة، (كما شاء الدكتور صفوة أن يقول بل أكد أنها فكرة ودراسة وحوار مختصر في فن الخط).‏

بهذا التعريف، المتواضع أوحى للحضور بالاطمئنان والراحة، وبالرغبة الكبيرة للإصغاء.‏

الكتاب الذهبي وأنعته بأهم من الأحجار الكريمة وأثمن من الذهب طبع في إيطاليا من قبل «أزيموت مواديشونز» إحدى أهم دور النشر في الفن الإسلامي في لندن وأيضاً في الغرب.‏

لا بد لي من ذكر واقع، وهو أن صفوة ينشر مؤلفاته باللغة الإنكليزية فقط، إلا أن بعضاً منها ترجم إلى العربية والفارسية. وقد ساهم هو في العمل الترجمي.‏

نبيل صفوة الغائص اهتماماً ودراسة بالتوثيق وبالمخطوطات التي دونت لمئات السنين، أقول لقرون مضت يذكر (ببعض العتب أو اللوم) اعتراض فئة من الناس متسائلين عن الفائدة من تلك الفعالية ويطلقون عليها أحياناً: على أنها بحث في الدفاتر العتيقة؟ معتبرين أن الباحث لا حيلة له سواها.‏

بينما يصر«نبيل صفوة» على البحث في الكتب القديمة ويجد فيها تفسيراً أو شرحاً لعظمة الحضارة الإسلامية ينصرف ليس فقط للتفكير بها بل للمسها، وللتعمق بها على أنها حضارة عظيمة من تقنيات وجماليات وفن رفيع.‏

ولدى لقاءات به أستمع بها لآرائه، كأني بالعلامة صفوة يدرك أننا أصبحنا نبتعد عن الحضارة وعن هذه التقنية والتركيز والإخلاص المطلق في العمل والإيمان الحقيقي، كل هذه تعطي الصفات والمميزات التي كونت العناصر الأساسية لتلك الحضارة، أهمها الإخلاص والصدق بكل أعمالنا وأقوالنا... ومن خلال دراسة المخطوطات يمكننا تكوين صورة وفكرة واضحة عن قصة موروثنا الفني والتاريخي.‏

وأسمح لنفسي أن أتوجه لـ «نبيل صفوة» بسؤال: أين نحن من عالمك يا أيها العلامة؟ وأنت الإنسان المتواضع الهادئ، الذي يضع نفسه في مصاف بسطاء الناس، ويجالس الكبير والصغير، أما الكتاب الذي نال إعجاب المثقفين والعلماء، كما الكتب التي سبقته من تأليف صفوة فقصتها قصة جهد جبار، وصبر أيوب وفكر نير وغوص في العلوم والمعرفة.‏

رحلة «صفوة» مع دراسة الخط والمخطوط العربي (كما صرح به) تعود إلى أوائل التسعينيات وكان آنذاك أستاذاً في موضوع الفن الإسلامي في «معهد الدراسات الشرقية والإفريقية».‏

وفي عام 1993 كلف للمشاركة في كتابة بحث عن إحدى المجموعات الشخصية للفن الإسلامي، وهذه تتضمن تحفاً فنية، كالأطباق الخزفية الفاطمية، والرسوم وأواني الزنك المعدنية والأسلحة وأهمها المخطوطات العربية الإسلامية، ولوحات ودفاتر في فن الخط، لخطاطين مشهورين كانوا لذلك الحين مغمورين.‏

ولم تلبث أن صدرت كتب آنذاك في مجلدات عدة بتاريخ الفن الإسلامي فجزأها«صفوة» حسب أنواع الفن، وطبقاً لمصدرها، معدداً الأقطار التي جاءت منها هذه التحف.‏

تبنى صفوة آنذاك موضوع الخط العربي، وطفق يركز على حياة الخطاطين ومواضيع الخط التي كتب عنها قبل المرقعات، والمفردات، والحلية الشريفة وغيرها مما ركز عليها الخطاطون القدماء... علماً أن دراسة صفوة تختلف عن دراسة المستشرقين الغربيين.‏

طبع الكتاب عام 1996 في جامعة أكسفورد وترجم إلى الفارسية.‏

بعد مضي سنة من صدوره كلف«صفوة» إعداد دراسة عن الخط العربي من خلال مجموعة الأستاذ «طارق رجب» في الكويت، وتلبية لطلب أستاذ الفن الإسلامي في جامعة لندن البرفسور «كيزا فهير فاري» ظهرت مجموعته الخطية ونقلت إلى متحف سنغافورا الوطني وهي معروضة هناك تحت عنوان (هارموني أوليتيرز) أي تناغم الحروف.‏

تابع «صفوة» دراساته ودأبه المتواصل، وإذا به يصدر كتاباً طبع في جامعة أكسفورد عن مجموعة غسان إبراهيم شاكر بعنوان: صفحات ذهبية إسلامية ترجم إلى اللغة العربية بموافقة دار النشر المذكورة.‏

وحالفني الحظ آنذاك فنشرت بحثاً عنه في 30 أيار 2006 بعنوان «صفحات إسلامية ذهبية» من مجموعة مقتنيات «غسان إبراهيم شاكر».‏

أين المجموعة اليوم؟‏

غدت من مقتنيات متحف الفن الإسلامي في الدوحة.‏

أما الدكتور نبيل فلم يتوقف ولن.. بل راح يكتب سلسلة مقالات عن الخط العربي ومشاركاته العديدة في مؤتمرات الخط، نشرت في مجلات أكاديمية عالمية.‏

«صفوة» لا كلل ولا ملل لديه، لا يرفض تكليفاً أو طلباً، هاهو يعد دراسة مجموعة مخطوطات خاصة من مصاحف وغيرها من المواضيع: «دلائل الخيرات وأدعية، وكتب غيرها ومنها«حياة الحيوان».‏

ويقول: «كان للبحوث الأولى التي أعدها دور كبير في بلورة دراسته الأخيرة، لكن منهجه في البحث لم يتغير كثيراً».‏

«نبيل صفوة» بدأ بدراسة تاريخ الفن في الجامعات والمعاهد الأكاديمية في الغرب منذ القرن السادس عشر الميلادي.‏

وفي الكتاب يركز على الفنان والكاتب «جيورجيو فساري» ويكتشف التشابه بين طريقته وطريقة ومنهجية الخطاط والكاتب العثماني المعروف بـ «مستقيم زاده».‏

يتميز الكتاب الذي صدر مجدداً تميزاً واضحاً بالشكل والمضمون ولعله أجمل كتاب حالفني الحظ باقتنائه،هدية ثمينة من كاتبه العلامة «صفوة».‏

أما من كلفه بهذه المهمة.. بحث المخطوطات ودراستها ونشرها فقد رفض البوح باسمه.‏

- لدى تصفحي هذا الكتاب الموسوعي لفتتني المقدمة، يشكر كاتبها فيها زملاء ساهموا ولبوا الإجابة عن بعض الأسئلة التقنية والفنية إذ هم من الخطاطين والمختصين بالخط العربي، ويعتبر المؤلف أن لا أحد يعيش بمفرده كجزيرة منعزلة عن الناس، كما ما من إنسان يعرف كل شيء فيما يتعلق بالخط العربي الإسلامي، وبقدر ما يحاول أي منا الادعاء بالمعرفة الكاملة بقدر ما يثبت النقص في هذا الادعاء.‏

الموضوع الأول في مقدمة الكتاب يبحث عن علاقة الخط بفصاحة اللغة، وبالتعبير الفني وبالتناغم بين معنى الكلمة والتشكيل الفني للخط.‏

يقر الكاتب أنه كون الكتاب صادراً باللغة الإنكليزية فإن الترجمة تحول دون إعطاء المعنى الشامل والدقيق للوحة خطية أو لمخطوطة مهما كانت مؤهلات المترجم.‏

كم من نصوص وأشعار كتبت بالعربية والتركية والفارسية، لكن الترجمة تعجز عن إعطاء صورة حقيقية لمعنى النصوص أو الأشعار، بالنسبة لأصحاب اللغة الأصليين.‏

يتعذر على الإنسان فهم شخصية الآخر إذا لم يفهم لغته، ويعتقد «صفوة» أن الفن العربي والإسلامي هو حصيلة «عبقرية لغة» ومنها تنبع الفنون الأخرى، ومما لا شك فيه أن هذا الفن يزين ويجمل هذه اللغة، خاصة نصوص القرآن الكريم وتجميلها رغم قناعة الكاتب بأن هذه النصوص لاتحتاج إلى التجميل والتزيين.‏

تطرق المؤلف إلى أهل الخط ونساجي المصاحف والمكانة التي كانوا يتمتعون بها في المجتمع الإسلامي بصورة خاصة.‏

يبحث المؤلف إيضاً في الورق وصناعته التي كانت من أسرار الإمبراطورية الصينية ولقرون عديدة، وكيف انتقلت إلى العالم الإسلامي علماً أن أول مصنع للورق خارج الصين أنشئ في بغداد في نهاية القرن الثامن الميلادي.‏

وكان أول درس للخط العربي: «رب يسر ولا تعسر» و «رب تمم بالخير».‏

الفكرة من هذه الصيغة هي دعاء لتيسير الدراسة، وفي الوقت ذاته فإن كل جملة تعد أحد عشر حرفاً، أي ثلث عدد الأحرف العربية، وهذه تعتبر الأساس في تعليم الخط.‏

وهنا نتذكر القول المعروف عند أهل الخط وينسب إلى الإمام علي رضي الله عنه: الخط مخفي في تعليم الأستاذ.‏

المؤلف يتطرق إلى وضع الخطاط المجهول، يهمل ولا يستوقف خطه أحد ولو كان بارعاً.‏

ومع هذا الواقع وهذه الظاهرة تزداد عملية التزوير في الخط لأن الاسم والشهرة يورطان الكثير من المقتنين.‏

أحب أن أذكر «نبيل صفوة» في معرض آخر، وهو الفنان المؤلف لمجموعة من اللوحات الجميلة التي صورها بريشته الفنية في مرسمه في بيته في دبي، وتحتل ركناً من أركان البيت...، وها أنا ذا أتصفح مجموعة صور لهذه اللوحات تتكلم عن الطبيعة والمشاهد الطبيعية في أمكنة عديدة بألوان غنية يلتقطها مع الفجر، الصباح الباكر... ومع الغروب، شتاء ربيعاً وصيفاً.‏

أتمنى أن نحظى يوماً بزيارته لسورية مزوداً بلوحاته المتميزة ويغنينا بمحاضرة عن حياته مع الخط والتصوير... بدعوة من وزارة الثقافة أو من الجامعة- كلية الفنون الجميلة أوبغيرها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية