تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ســـيرة الحـــــب.. خالد وهج النار ممرضاً

ساخرة
الخميس 8-10-2009م
خطيب بدلة

حينما دخل بطل سيرتنا خالد وهج النار إلى عيادة الدكتور سالم المعلول المكتظة بالزبائن، العابقة برائحة التتن العربي «القشق» كان صوت الدكتور سالم يتجاوز حدود غرفة المعاينة ليصبح مسموعاً في غرفة الانتظار وهو يوبخ أحد المرضى قائلاً له من دون أية حواجز أدبية بينهما:

عليّ الجيرة إن الحمار وهو حمار يقع في الجورة أول مرة وعندما يمر بها مرة ثانية يحيد عنها، أنا لا أستطيع أن أفهم كيف تمرض أنت وتصل إلى حافة الموت بسبب «موقعة كبب» طاحنة قبل عشرين يوماً، ثم تجلس بعد أن تتعافى وتبلع عشرين دعبولة كبة محشوة باللحم المقلي بالدهن والسمن العربي مع الصنوبر واللوز وتهرش خمسة عشر قرصاً من الكبة الصاجية المحشوة بالشحمة مع ما فتح ورزق من قطع الكبة النيئة المدهونة بخليط من دهنة اللية والفليفلة الحمراء «السلقينية المشلفطة» التي إذا وضعتها على مؤخرة السعدان ينط من الألم ويصيح بالمقلوب.‏

وإذا يحاول المريض الاعتذار عن فعلته مسوغاً تصرفه بحبه للكبب الموروث عن أبيه وعن جده.. حتى تصل إلى الجد السابع يقاطعه الدكتور سالم شارحاً له بعبارات طويلة جداً مضار البرغل بأنواعه المقلي والنيىء والمشوي، لكونه عسير الهضم ويتخشب في المعدة مثل الباطون المسلح والبلاوي الزرقاء التي تخلفها الشحوم الثلاثية والكوليسترول للجسم إذ تحول الدم إلى مادة لزجة وسميكة قابلة للتجلط في كل لحظة لتقتل المريض.. ولا ينسى أن ينوه بمضار الشاي الثقيلة السوداء مثل الحبر التي يغب منها حضرة المريض المحترم ما فتح ورزق، والسم الهاري «التتن» الذي يشفط منه ست علب كل يوم، وهذا بدوره يفرز النيكوتين والقطران الذي يتسرب إلى الحويصلات الهوائية في الرئتين ويدهنها لتنسد وتجعل الواحد يشحذ أنفاسه من الناس الطيبين الكرام.‏

في هذه اللحظة قرع باب غرفة المعاينة على نحو خال من اللباقة، فتح سالم الأب فوجد خالد وهج النار متعومداً في خلقته فقال له ولاتزال لهجته عصبية: نعم؟ من أنت؟ وماذا تريد؟ولماذا تقرع علي الباب؟ ألا ترى بين يدي مريضاً أعاينه ؟‏

قال بطريقة استعراضية لا يدري أحد من أين اكتسبها في تلك اللحظة: محسوبك خالد وهج النار.‏

قال سالم: شي بهوِّي شو يعني؟‏

قال: أنا ابن أبي خالد وهج النار، أرسلني الوالد لأشتغل عندك في العيادة.‏

قال سالم: طيب، انتظر هنا.‏

واستدار الدكتور سالم يريد العودة إلى مريضه واستئناف توبيخه ولكن خالد أمسكه من يده وقال له: لحظة دكتور قبل أن تدخل أجبني عن سؤالي، دكتور إذا كنت أنا في العيادة وكنت أنت في البيت وأتاني مريض يضع يده على بطنه وينمغص ويقول لي: دخيل الله أمعائي تتمزق ماذا أفعل له؟ هل أعطيه حبايات ليبلعها، أم أضربه إبرة في العضل؟‏

وقبل أن يتمكن سالم من قول شيء ما، تابع خالد يسأله: وإذا جاءتني امرأة قد دب فيها الطلق وشرعت تصيح وتستريح وتقول لي: كرمال الله يا خالد الحقني أكاد أموت.. هل أباشر بتوليدها أم أنتظر حتى تأتي أنت من البيت؟ وإذا جاءني واحد مجروح هل أسمي بسم الله الرحمن الرحيم وأخيط له الجرح أم أضع له على جرحه ملعقة بن وأكبسها؟‏

فتح الدكتور سالم فمه على مداه من الدهشة وقال لخالد: لحظة يابني ألست أنت ابن أبي خالد وهج النار الذي ينقلك أبوك كل يوم من صنعة إلى صنعة مثل القطة الولدانة وأنت بدورك تفشل بكل الأعمال التي تمارسها؟‏

قال خالد: نعم دكتور، أنا خالد‏

قال الدكتور: ولكنني أراك تتكلم في الطب والإسعافات قل لي لأرى في أي صف تركت المدرسة؟‏

قال خالد: من الصف الأول‏

قال سالم: حسناً تعال معي.‏

وسحبه من يده إلى إحدى الغرف الجانبية من العيادة وأخرج مكنسة وسفاية ونربيشاً وسطلاً وقال له:‏

إذ كنت تريد أن تعمل هنا فاستلم هذه الأدوات وانتظر حتى تفرغ العيادة وباشر بها تنظيفاً وحاول أن تبقى ساكتاً على الدوام فإذا تفوهت بكلمة بشرفي وبما أرتجي من الله سأضربك بوكساً أجعل فمك هذا يلتصق بأذنك.‏

وتركه وعاد إلى الداخل متابعاً توبيخ مريضه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية