تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المفاوضات.. لإعادة الحقوق أم لمكافأة الاحتلال؟

شؤون سياسية
الجمعة 17-6-2011
حسن حسن

بالنسبة للإدارة الأميركية يبدو أن تصرفها منذ نشوء القضية الفلسطينية في أربعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا يسير حسب تسلسل الوقائع والأحداث بما يشير إلى أن المحرك الأساسي لهذه الإدارة هو إيجاد أكثر السبل قدرة على إشباع النهم الاحتلالي الاستيطاني للعقيدة الصهيونية.

كانت البداية عندما حاولت الإدارة الأميركية تغطية هذا الميل الصهيوني بقرار صادر عن الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947 وما إن انجلى غبار الأحداث عام 1948 حتى تبين أن الدولة الوليدة إسرائيل قد استولت على 76 في المئة من أرض فلسطين التاريخية مع أن قرار التقسيم الدولي لم يمنحها أكثر من 56 في المئة من هذه المساحة.‏

ومنذ ذلك التاريخ كان تصرف الإدارة الأميركية يمارس عملية غض الطرف عملياً عن هذا الفارق بين المساحة التي احتلت بقوة السلاح والمساحة التي يحددها قرار التقسيم، واعتبار هذا الفارق مكافأة ممتازة للاحتلال الصهيوني لا يتم غض الطرف الأميركي عنها فقط بل يتم تشجيعها والتصفيق لها والسماح لأوروبا (فرنسا وبريطانيا) بتزويدها بالسلاح النووي منذ خمسينيات القرن الماضي.‏

المحطة التالية كانت في عام 1967 عندما انجلى غبار أحداث ذلك العام عن احتلال «إسرائيل» لما يمثل كامل التراب الفلسطيني إضافة إلى أرض عربية حولها في مصر وسورية.‏

لقد مضى على هذا الاحتلال التوسعي «الاسرائيلي» الثاني ثلاثة وأربعون عاماً بالتمام والكمال كان تصرف الإدارة الأميركية خلالها لا يكتفي بغض النظر الكامل عن مزيد من جرائم الاحتلال المرتكبة بل يتميز بتشجيع هذا الواقع الاحتلالي الاستيطاني مادياً ومعنوياً، عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً على اعتبار أن ما أضيف من بقية أرض فلسطين التاريخية في الاحتلال الثاني هو مكافأة للاحتلال الأول فإذا انتقلنا إلى المرحلة الثالثة مرحلة المفاوضات المباشرة الراهنة التي ترعاها الولايات المتحدة بحثاً عن تسوية للصراع فإننا عبثاً نبحث في هذه المفاوضات ورعايتها الأميركية عن وجود حقيقي ووزن حقيقي لمفاهيم العدالة كما تنص عليها المواثيق الدولية.‏

ولعل هذا ما سلط عليه المحلل الاستراتيجي الأميركي (بول بيلار) الضوء في تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز هو و(روبرت رايت) ورأى أن أوباما قادر على فرض الحل أو التسوية التي يتباهى بالإعلان عن ضرورتها ويضيف بيلار: «إن الأمم المتحدة نفسها قادرة على فرض حدود إسرائيل التي لم ترسم حتى الآن ومنذ عام 1947 حدودها وهي التي توسعت بعد قرار التقسيم عام 1947 وضمت معظم الأراضي التي خصصتها الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية ثم عادت حرب 1967 وسيطرت على بقية أراضي فلسطين ويذكر أن الأمم المتحدة ومعها واشنطن كانت منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن تفرض رسم الحدود بين الدول المتنازعة في مختلف القارات وكان ذلك يجري لخدمة المصالح الأميركية أو حسب توازن القوى أثناء الحرب الباردة.‏

ويدعو «رايت» أوباما إلى الاتفاق مع اللجنة الرباعية الدولية على فرض تسوية على إسرائيل بموجب حل يقوم على دولتين ويرى أن على المجتمع الدولي رفض وجود دولة لليهود لأن ذلك سيحمل بذور صراعات لا تنتهي.‏

ويبدو من الواضح أن مسألة ما يسمى العملية السلمية التي تنفرد واشنطن برعايتها ليست سوى وسيلة ابتزاز للفلسطينيين أولاً وللعرب ثانياً، لتحقيق أهداف استراتيجية في المنطقة والعالم تخدم مصلحة حليفين استراتيجين هما الولايات المتحدة والحركة الصهيونية وقاعدتها الاسرائيلية في المنطقة، ولاشك في أن تاريخ الوساطات الأميركية منذ اتفاقات أوسلو وقبلها مع مصر يؤكد أن أي انخراط فلسطيني أو عربي في عملية سلمية تقودها واشنطن يجب في النهاية أن يخدم مجمل الاستراتيجية الأميركية وهذا ما حدث في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.‏

ولكي تتمكن واشنطن من تنفيذ استراتيجيتها هذه يصبح من أهم مصالحها إبعاد أي تأثيرات خارجية دولية على المسار الذي ترسمه مع تل أبيب لطريقة ونهاية عمليات التفاوض وبما يحقق المصلحة الاستراتيجية الاسرائيلية ولذلك لا يمكن لقواعد (لعبة التفاوض) هذه تجاوز الحدود المرسومة لها محلياً واقليمياً من وجهة النظر الأميركية المتوافقة مع مصالح تل أبيب.‏

المسألة في النهاية لاتتعلق بهوية الرئيس الأميركي سواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً أبيض أو أسود بقدر ما تتعلق بمن يحدد مصالح الولايات المتحدة ويتوافق ويتفق معها كل رئيس أميركي باجتهاده وتطلعه إلى انجازها وهذا ما ثبت تماماً من سجل الرئيس (أوباما) خلال الثلاثة أعوام الماضية بل إن سياسة أوباما وفرت لبوش الابن والمحافظين الجدد فرصة الإعلان أن أوباما لم يغير شيئاً في السياسة الأميركية التي انتهجها بوش طيلة ثمانية أعوام خلت.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية