تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المايسترو... ولعبة الايقاع للتنظيمات الإرهابية

شؤون سياسية
الجمعة 17-6-2011
بقلم: عبد الرحمن غنيم

ما آلت إليه ملامح الفتنة، يجعلنا نتذكر ونذكر بأمرين :

الأول أننا منذ الجرائم التي اقترفت في جسر الشغور نواجه تكتيكاً يمكن وصفه بلعبة الكراسي الموسيقية‏

والثاني : أن عهد «الأمراء» المحليين أخلى مكانه لمايسترو يدير اللعب من مكان ما خارج القطر.‏

وفي التصور الواقعي للمشهد، هناك مئات من العناصر المنظمة المدربة المسلحة جرت تعبئتها في مكان ما خارج القطر، ربما في تركيا،وهذه العناصر تحاول تعزيز نفسها بعناصر محلية قابلة للتوظيف في خدمة المؤامرة، فتعطي للحراك شيئاً ما من الصيغة المحلية، وحيث إن هذه العناصر لا تستطيع السيطرة على منطقة والثبات فيها، فإنها تعتمد على أحد مبادئ حرب العصابات المتمثل في عبارة : اضرب واهرب ! وهم بهذا الأسلوب يحاولون تفادي فشل تجارب «الأمراء» في درعا وبانياس وتلكلخ وتلبيسة والرستن وأماكن أخرى، ففي تلك المدن كانت العصابات المسلحة - ونحن نستخدم هنا كلمة «العصابات» وليس «التنظيمات» لأن هذا هو التوصيف الصحيح - تحاول توطيد أقدامها في المكان معتمدة على نوع من التعبئة المضللة التي صورت لها أن الحراك شامل ومتسارع ومواجهته مستحيلة وهذا ما سهل مهمة ملاحقتها واعتقالها ومصادرة أسلحتها. ولكن بدءاً من أحداث جسر الشغور بتنا أمام تكتيك مختلف، يماثل لعبة الكراسي الموسيقية، وربما كان يديره جنرالات من الخارج، هم خبراء عسكريون يلعبون دور المايسترو، وربما كان هؤلاء يديرون اللعبة من تل أبيب أو واشنطن أو من غرفة عمليات مؤقتة تقع داخل الأراضي التركية،كما يبدو من المعلومات المتوافرة حتى الآن أن ثمة إغراءات مالية تقدم للاجئين من السكان هرباً من العصابات الإرهابية، وكأن اللجوء في حد ذاته بات أحد الأسلحة المعتمدة في المؤامرة.‏

في لعبة الكراسي الموسيقية هذه تستهدف مدينة ما أو منطقة ما، يوجه إليها جهد العصابات بسياسة الأرض المحروقة، معطية لنفسها برهة زمنية محددة بحيث تضرب خلالها الأهداف المطلوبة وترتكب المجازر، لكنها لا تبقى بكل ثقلها على الأرض التي أحرقتها وهجرت سكانها، وإنما تكتفي بإبقاء جزء بسيط من العناصر بهدف التضليل والتظاهر بالتواجد، بينما تتوجه الكتلة الأساسية باتجاه مدينة أخرى أو منطقة أخرى لتعيث فيها فساداً أو تهرب إلى ما وراء الحدود لتخطط لغزوة أخرى باتجاه هدف آخر،وهكذا دواليك.‏

هم يفترضون أن الجيش سيتوجه أولاً إلى المنطقة المنكوبة التي استباحوها كما حدث في حالات سابقة وعندئذ يضربون ضربتهم في مكان آخر، ويفرون منه قبل أن يوجه الجيش قواته إليه، وذلك على خلفية الاعتقاد بأن الجيش لا يتدخل إلا في حالات الضرورة القصوى، وعلى قاعدة المبدأ القائل إن آخر الدواء الكي،ومن الواضح أنهم يحاولون الاستفادة من أمرين في تنفيذ هذا المخطط :‏

- الأول القدرة على المبادرة والمباغتة من خلال الانتقال من مسرح إلى آخر فبدلاً من حصر طاقتهم في الدفاع،يرصدون جزءاً ثانوياً منها للدفاع بينما يوجهون الجزء الأكبر نحو القيام بعملية هجومية إجرامية جديدة في مكان آخر‏

- والثاني : استغلال تفوق تسليحهم على تسليح عناصر الشرطة والأمن المستهدفة لارتكاب المجازر ضدها كما حدث في جسر الشغور، وجرت محاولة تكراره في معرة النعمان، وبالمقابل تفادي المواجهة مع الجيش، مثل هذا التكتيك القائم على نقل الحركة من مكان إلى آخر قد ينجح في ضربة أو ضربتين في البداية، لكن مجرد اكتشافه سيقود إلى فشله، إلا أن ما هو أهم من فشله هو التمكن من تصفية عناصر الفتنة وخاصة الآتية من خارج الحدود وتبديد قواها، بحيث لايتاح لها أن تعيد تجميع قواها ومهاجمة منطقة أخرى لأن هذه العناصر باعتمادها على قواعد استناد خلفية خارج الحدود تملك القدرة على الكر والفر وممارسة حرب عصابات، بحيث يصعب القول إن تمشيط منطقة ما وتطهيرها ينهي المشكلة التي تمثلها، وهي يمكن أن تتحول من حرب عصابات تستند على مجموعات كبيرة إلى حرب عصابات تعتمد على مجموعات صغيرة، ومن مهاجمة أهداف ثابتة إلى مهاجمة أهداف متحركة،ثم إن هذه العناصر على ما يبدو رسمت لها أهدافاً تخريبية معينة لاستهداف المحاصيل الوطنية والإنشاءات ذات الأهمية الاستراتيجية، وبالتالي فهي تراهن على إلحاق ضربات موجعة بالاقتصاد الوطني والبنى التحتية والإنشاءات، وهي أهداف لا يمكن أن يفكر باستهدافها سوى جنرالات العدو الصهيوني، وحماية مثل هذه الأهداف تتطلب منظومة دفاعية هي غير منظومة الجيش وغير منظومة الحراسات العادية المؤهلة أصلاً لمواجهة مجرمين عاديين، وليس مواجهة عصابات غايتها القتل والتخريب وليس السرقة.‏

رغم أنه لا تتوافر معلومات محددة حول حجم العصابات التخريبية الإرهابية المنظمة المتسللة إلا أننا نعتقد أن ضربة موجعة واحدة توجه لها أثناء شروعهابشن هجوم واسع في مكان ما ستكون لها أهمية بالغة في اقتلاع شأفتها وإضعاف ما يتبقى من شراذمها، وإن اقتضى الأمر الاستمرار في ملاحقة تلك الشراذم لبعض الوقت، حيث لا يمكن الافتراض بأن ضربة موجعة واحدة ستكون كافية، خاصة مع وجود قواعد استناد خلفية من المحتمل أنها تعمل على تدريب وزج المزيد من العناصر المخربة وتواصل تكليفها بالمهام المرسومة لها،ولنضف إلى ما سبق أن فكرة لعبة الكراسي الموسيقية توحي بإمكانية إحياء وزج بؤر للفتنة عابرة للحدود حتى في المناطق التي جرى تنظيفها من قبل وفي مناطق أخرى كانت حتى الآن هادئة أو هادئة نسبياً، وبالتالي يجب التنبه إلى عدم الوقوع في مطبات في المناطق التي نعتقد الآن أنها باتت آمنة، فالمؤامرة كما قلنا في البداية يديرها مايسترو من الخارج، وتأخذ شكل لعبة الكراسي الموسيقية، وتظل بذلك مفتوحة على كل الاحتمالات،ولعل من المطالب الملحة الآن الإسراع في محاكمة المتورطين في الفتنة، وتطبيق القانون عليهم بشكل عادل، وتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، لأن ذلك سيسهم في ردع آخرين عن التورط، ولنتذكر العظة والعبرة في قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب)،فأن نحمي الناس من الزلل الناجم عن الإغراء المالي المقترن مع التجييش الإعلامي غير المسبوق الذي تمارسه فضائيات الفتن خير لنا من مواجهتهم أو محاسبتهم بعد أن تزل أقدامهم، وتسبى عقولهم، ويتحولوا إلى أدوات للفتنة وإلى ضحايا لها في الوقت نفسه، وفي جميع الحالات،فإن التكتيك الذي تتبعه العصابات الإرهابية يفترض المجابهة الفورية وليس الانتظارإلى ما بعد خراب البصرة.وقد بات واضحاً الآن تماماً أن الجهات الخارجية الراعية للفتنة تعرف الحقيقة ولكنها تخلف في توصيفها، وسيبقىهذا هو حالها مهما كانت الجهود المبذولة لتفنيد أكاذيبها، فهذه الأكاذيب هي جزء من الخطة الأصلية وليست مجرد سوء فهم لما يحدث.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية