|
ثقافة مواجهة ابراهيم هنانو، في حلب. مواجهة الغوطة من حول دمشق. مواجهات سلطان الأطرش في السويداء. الثورة السورية الكبرى، سنة 1925. امتداد الثوار في القلمون والقصير، حمص وحماة، وإلى الجزيرة شمالاً. الثورة الفلسطينية، سنة 1936. ثورة رشيد عالي الكيلاني. والحرب مشتعلة، في العراق، سنة 1941! العرب يواجهون فورياً. ويواجهون بفترات ممكنة. لم ينفكوا منها. ولا هم توانوا، أو كلوا. بينما العدو رغم قدرته وإمكاناته الحربية، يراوغ باللؤم، والمكر والخداع. ولا لؤم أشد من اللجوء إلى «فرق تسد» بتقسيم البلاد إلى مناطق، والأهل إلى شيع ومذاهب وسنن، يخاصم بعضهم بعضاً لأجله، ويفرق بينهم فيما رمى إليه. كمثل ما فعل بتجنيد أهل المغرب، بمحاربة أهلهم في المشرق، بما لا يفعله إلا لئيم. يظن ذلك كيداً وشطارة وانتصاراً، تقدماً ، مبادئ وحضارة. يعد بالحرية ويكذب! وما كان يعنينا، بالاطلاع على المجلات الأدبية الأسبوعية، السنوات الخمس الأخيرة، في ثلاثينيات القرن العشرين خاصة. أن تلك المجلات كانت تحرر، على الأغلب، بأقلام أولاد الضيعة، الذين تعلموا العربية بالعدوى أو بالغيرة، بعضهم عن بعض، بمعنى صوت الضيعة. أن يسمع بهم ومنهم، ذلك الصوت. تعرف ماهيته. وتدرك مراميه وغاياته. بمسؤولية ابن الضيعة ذاك عن معاناته الذاتية، على ما هي معاناة الضيعة، في أحوالها، مستمرة في هيكلية الضيعة، أو طارئة بالسلطة الأجنبية الحاكمة؟ ولا حاجة، أن يسأل عن أي أجر. أو مكافأة مادية يتقاضاها شاعر القصيدة. أو كاتب المقالة. بل ما إن كان يظهر ذلك الأثر، حتى يبادر صاحبه، إلى الاشتراك. إن لم يكن مشتركاً فيها قبلاً، تشيعاً لتلك المجلة، أو الجريدة، مقابل ما اعتبرته هي: الجريدة أو المجلة، أيضاً تشجيعاً للاستمرار بالنشر. يستحق أدبياً، أو لا يكاد! ومع هذا السياق، أو خروجاً عليه. فأول ما دخلت جريدة الضيعة، على ما لا ينسى، في يوم ماطر، من تشرين الثاني، سنة 1939. بمونة من أحد ملاكي الضيعة. حضر لديه بمناسبة جامعة، صاحب الجريدة، ورئيس تحريرها. قالوا بطربوش أحمر طويل، وطقم إفرنجي، بهيئة ما كان يحضر صاحب جريدة، لدى القائمقام، أو مدير ناحية، أو رئيس مخفر. إن لم يكن رئيس عشيرة، أو صاحب ضيعة. ويطلب بكل صراحة، أو وقاحة. اشتراك ما يطال من أهل الضيعة بالجريدة، حسب ما كان في تلك الأيام! وإذ قال أوادم الضيعة الموجودون بالمناسبة ضرورة: «نحن، بلا مستحى من أحد. فلاحون بالمثالثة. لا قدرة لنا على دفع بدل اشتراك بجريدة. لا يوجد فينا من يقرؤها. وإن وجد بالمصادفة، فالفلاحة والزراعة، لا تسمح له بقراءة جريدة، لا تفيدنا شيئاً. وعندئذ، قال الأوادم المكسوفون. انتفض صاحب الضيعة، وقال: «ماذا تنقص أربع خمس بيضات من دجاجة أحدكم في السنة. يحسب حساب أن ضيفاً، أو قريباً، حل به. ألا يغديه أو يعشيه بمثل ذلك. أهذا حكي يحكيه آدمي، عنده بقرة، سبع ثمان غنمات، وعشر طنعشر عنزة، وست عشرة جاجة، ألله يتحنن عليه. ألا نعرف بعضنا بعضاً.. (يتبع) |
|