تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوباما في مواجهـــة الاستيطان

شؤون سياسية
الجمعة 9-10-2009م
غالب حسن محمد

إن المرء ليحار في تفسير ضعف أمريكا حيال «اسرائيل» هل يعقل أن تكون كبرى دول العالم وأقوى قوة في التاريخ المعاصر أضعف من طفلتها المدللة وربيبتها المفضلة..؟

يقول بعضهم: نعم إنها أضعف بملء إرادتها, ذلك أن ثقافتها العامة وتقاليدها الانتخابية وسلوكية زعمائها جعلت من «اسرائيل» على مدى عقود من الزمن طفلة مغناجاً تستدر العواطف ولواعج الحنان.‏

يسخر بعضهم الآخر من هذا التفسير. يقول إن لا عواطف في السياسة بل هناك مصالح. فـ«اسرائيل» في تركيبة موازين القوى والمصالح الاقليمية حاجة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً ولدول الغرب عموماً. بين أمريكا و«اسرائيل» إذاً علاقات قوى ومصالح لا مجرد عواطف ومشاعر.‏

الحقيقة الراجحة هي التفسيران معاً. فالعاطفة كما المصالح مكونان أساسيان، ولو بدرجات متفاوتة، في سياسة الولايات المتحدة تجاه «اسرائيل» درجة التفاوت بين هذين العاملين تقرره طبيعة القضايا المطروحة في الزمان والمكان.‏

قد يقول قائل: لكن أمريكا في معظم القضايا والظروف، إن لم يكن في كلها، كانت وما زالت في صف «اسرائيل». هذه ملاحظة صحيحة تجد تفسيرها في حال العرب وسلوكيتهم أكثر مما تجده في حال «اسرائيل» واليهودية العالمية. فالعرب، منذ التماس الأول مع أمريكا سياسة وسياسيين في النصف الأول من القرن الماضي وصولاً إلى الحاضر، كانوا ومازالوا في موقف المتلقي والمتأثر والتابع لأمريكا. الأمر الذي حال دون أن تضعهم في حسبانها وأن تقيم لهم كبير وزن في حساباتها الاقليمية والدولية.‏

ذلك أن العالم لا يحترم إلا الدول والجماعات والأشخاص القادرين على أن يضروا وينفعوا. والحال أن العرب كانوا ومازالوا غالباً في حال مجانبة الإضرار بأمريكا حتى عندما يكونون على حق وفي مقدورهم أن يلحقوا الضرر بها.‏

فهل ينتظرون من الولايات المتحدة حسنة لا ترى أنها مكلفة بإسدائها...؟‏

من المنطقي ألا يحاول العرب الإضرار بأمريكا بقصد الضغط عليها عندما كانت قوية ونافذة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن ما بالهم يفوتون على أنفسهم الفرصة بعد أن ضعفت أمريكا كثيراً بسبب تعثر حربها في العراق وحربها في أفغانستان وعصفت بها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية؟ ألا يدركون أن باراك أوباما ما كان لينتخب رئيساً للولايات المتحدة لولا رفعه شعار التغيير والتعهد بإنقاذها من التراجع والفساد والفوضى التي عانتها تحت ادارة بوش الصغير وما زالت تعاني من ذيولها؟ أليس من أجل انتشال أمريكا من شرور حربها على الارهاب التي تحولت حرباً على الاسلام والمسلمين .أطلق أوباما مبادرته التصالحية من القاهرة مطلع حزيران/2009/؟ وبدلاً من أن يغتنم العرب فرصة حاجة الولايات المتحدة إليهم فيوظفوا قدراتهم ويكيفوا سياساتهم على نحو يشعرها بحاجتها الضاغطة إليهم كي تضغط بدورها على ربيبتها «اسرائيل» من أجل استجابة مطالب الفلسطينيين المحقة، نرى بعضهم وقد بادر إلى نصرة أمريكا ضد ايران من دون أي مقابل، والبعض الآخر قد بادر بالتلويح عن استعداده للتطبيع مع «اسرائيل» حتى قبل أن تلتزم هذه حتى بتجميد الاستيطان في القدس والضفة الغربية. العرب عموماً لم يساعدوا أنفسهم ولم يساعدوا أوباما، ولو بصورة غير مباشرة، في مساعيه الهادفة إلى الضغط على «اسرائيل» لتنفيذ ما سبق وتعهدت به حيال «خريطة الطريق» في ظل حكومة شارون. صحيح أن تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتعثر الحرب في العراق والحرب في أفغانستان، ونفوذ اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة قد أسهم في الحد من قدرة السيد أوباما على زحزحة «اسرائيل» عن موقفها المتصلب، لكن يبقى أن العرب امتنعوا مختارين عن الضغط على أمريكا كي تضعهم في حسبانها، بل هم استعاضوا عن ممارسة هذا الخيار المتاح بالانصراف إلى مماحكة بعضهم بعضاًفي فلسطين والعراق ولبنان.‏

كل هذه العوامل والأسباب أفرزت مشهداً سياسياً إقليمياً عجيباً أصبح معه المستوطنون في الضفة الغربية أقوى من نتنياهو، وأصبح أوباما أضعف سياسياً من الاثنين. ذلك أن منظمات الاستيطان لجأت إلى أسلوب جديد للرد على الضغوط التي تحاول أمريكا أن تمارسها عبر مبعوثها جورج ميتشل، وللرد على الضغوط البسيطة التي تمارسها حكومة نتنياهو ضدها. فالمستوطنون يهاجمون ليلاً مزارع الفلسطينيين ويقطعون أشجارها ويحرقونها، ويهاجمون المزارعين الفلسطينيين ويطلقون عليهم النار ليمنعوهم من العناية بأرزاقهم، ويقومون بإعادة المنشآت التي تكون الشرطة «الاسرائيلية» قد فككتها في المستوطنات العشوائية.‏

بل يستحدثون بؤراً استيطانية جديدة برضا وتشجيع السلطات «الاسرائيلية» أو بالرغم منها. وآخر مبتكراتهم في هذا المجال لجوؤهم إلى المحكمة العليا في «اسرائيل» مطالبين بهدم بيوت فلسطينية في الضفة بدعوى أنها غير مرخصة، يربو عددها على عدة آلاف مقابل تقليل منشآت البؤر الاستيطانية العشوائية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية