تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اجتماع جنيف.. هل يؤسس للحل بين الغرب وإيران؟

شؤون سياسية
الجمعة 9-10-2009م
حسن حسن

متابعة حرب التصريحات والشد والجذب الدبلوماسي الدائر منذ فترة بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قضية تخصيب طهران لليورانيوم، لابد أن تصيب المرء بالدوار والحيرة

مع ارتفاع وانخفاض درجة حرارة التصريحات والتهديدات التي يطلقها الجانبان.ففي لحظة تبدو المواقف وكأن العمل العسكري أو حرباً جديدة في المنطقة أصبحت مسألة وقت، وفي لحظة أخرى يبدو الجانبان في عملية مساومة سياسية أو دبلوماسية لابد أن تنتهي بصفقة مابين الجانبين، وأن مظاهر التوتر هي تجسيد لعملية تعظيم الموقف المتفاوض لكل طرف حتى يحصل على أفضل صفقة ممكنة.‏

ومنذ بداية الأزمة و فشل الوكالة الدولية وإيران في الوصول إلى اتفاق واستئناف نشاط التخصيب هناك خط واضح ظاهر في الموقف الأوروبي وهو التأكيد على أن الخيارات دبلوماسية في هذه الأزمة، وتقف أميركا خطوة على مسافة من أوروبا عبر عدم استبعادها الخيار العسكري من على الطاولة، لكنها تؤكد أيضاً على أن الأولوية للدبلوماسية وأن هناك شوطاً في العمل الدبلوماسي لم يقطع، وكذلك تأكيد مسؤوليها على أن إيران ليست العراق قبل الحرب.‏

السؤال المهم: إلى أين ستتجه تفاعلات تلك القضية خلال الفترة المقبلة؟ هل ستتجه إلى السيناريو الأول وهو الحوار المباشر وحل الأزمة سلمياً عن طريق عرض الحوافز وإبرام صفقة بين واشنطن وطهران تفضي إلى تطبيع العلاقات، أم ستتجه إلى السيناريو الثاني وهو حالة الانسداد ومن ثم خيار القوة؟ أم تظل قواعد اللعبة كما هي الآن من دون تغيير؟ أي شد وجذب، وتصريحات وتصريحات مضادة، وخلط بين المرونة والتصلب.‏

حدود القوة‏

سيناريو خيار التصعيد والمواجهة العسكرية الشاملة أو توجيه الولايات المتحدة لضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية مستبعد للأسباب التالية:‏

أولاً: تمتلك إيران قدرات عسكرية هائلة توفر لها قوة الردع الدفاعي، وبنت صناعات تجميعية تشمل المروحيات والطائرات والصواريخ الموجهة لاسلكياً والدبابات والمكونات الالكترونية وقد جرى خلال الحرب العراقية الإيرانية توسيع هذه القاعدة الصناعية، فاستطاعوا خلق بنية تحتية قادرة على تلبية أي مطالب للقوات الإيرانية، وبالتالي فإن استراتيجية إيران هي بالأساس الردع واستيعاب الضربة الأولى ثم الرد لحماية النظام الإسلامي من الانهيار.‏

ثانياً: تباين مواقف دول الجوار والدول الكبرى الأخرى ومعارضتها الخيار العسكري نظراً لورقة النفط، فهذه الدول تخشى من أن تؤدي المجابهة العسكرية إلى وقف تدفق النفط الإيراني الذي يغطي ثلث احتياجات تلك الدول، مثل الصين والهند واليابان.‏

ثالثاً: المأزق الأميركي في العراق، فمن الصعب تكرار تجربة أميركا من العراق مع إيران، نظراً للمأزق الحقيقي الذي تواجهه القوات الأميركية هناك مع استمرار دوامة العنف وحالة الضبابية السياسية وغياب أفق واضح للخروج من المأزق.‏

رابعاً: صعوبة بناء تحالف دولي مع الحرب على إيران، كما حدث في أفغانستان، فلم يثبت فعلياً حتى الآن امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية اللازمة لإنتاج أسلحة نووية، كما أن مبدأ الحرب الاستباقية الذي اعتمدته الإدارة الأميركية السابقة في إطار الحرب على الإرهاب قد ثبت فشله، وأدى إلى زيادة أعمال العنف في العالم، وزيادة حدة الانقسام الدولي ومحاولات العودة إلى الشرعية ومجلس الأمن باعتباره المكلف بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وبالتالي، فإن هناك حدوداً لخيار القوة.‏

قيود التقارب‏

في المقابل،فإن خيار التقارب والتطبيع بين واشنطن وطهران وحل الأزمة سلمياً محكوم بقيود مهمة، مثل : تعارض الموقفين الأميركي، والإيراني، فإيران تصر على تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية وتعتبر أن هذا من حقها طبقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي والملحق الإضافي الذي وقعت عليه، في حين تعتبر واشنطن أن طهران تسعى لتخصيب اليورانيوم من أجل إنتاج القنبلة النووية، وتطالب طهران بوقف كل أعمال التخصيب أولاً ثم الدخول في مفاوضات للتوصل إلى صيغة يمكن تزويد إيران من خلالها بالوقود النووي لإنتاج الطاقة.‏

ثانياً: تلعب «إسرائيل» واللوبي اليهودي الموالي لهافي أميركا، دوراً في إذكاء نار العداء بين واشنطن وطهران، حيث تصر«إسرائيل» على مقاومة الطموحات النووية الإيرانية، التي تمثل تهديداً استراتيجياً لها، إضافة إلى الخوف من أن تتوصل أميركا إلى اتفاق مع إيران، من شأنه أن يضعف دور «إسرائيل» الاستراتيجي، وكذلك وضعها كحليف أساسي لأميركا في الشرق الأوسط.‏

عرض الحوافز‏

يمثل عرض الحوافز الذي قدمته الدول الغربية، التي تضم الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا عبر مسؤول السياسة الخارجية خافيير سولانا، إحدى المحطات المهمة في تفاعلات القضية الإيرانية انعكاساً لسياسة الجزرة التي تتبعها واشنطن في ظل استبعاد الخيار العسكري، فالعرض يطلب من طهران تجميد كل أنشطة تخصيب اليورانيوم مقابل تحسين العلاقات الدبلوماسية والتعاون التكنولوجي وهو مارفضته إيران لأنه لا يتضمن تحقيق تطبيع شامل في العلاقات الإيرانية الأميركية وعدم تهديد النظام الإسلامي وهي الشروط الإيرانية لإبرام صفقة شاملة، بيد أن طهران تبدي مرونة حيث تصف العرض أنه يحتوي على بعض النقاط الإيجابية لكي تفسح مساحة للحوار، وهذا لايعني استلاب حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. لكن، هل ستنجح سياسة الجزرة في تسوية الملف النووي الإيراني؟ وكمخرج وسط بين خياري المواجهة والتطبيع الكامل بين واشنطن وطهران؟.‏

يمكن القول: إن عرض الحوافز يمثل صيغة واقعية وعملية، على الرغم من التحديات التي تواجهه فمن ناحية يحقق العديد من الفوائد لطهران أهمها أنه يحفظ حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية تحت إشراف أو رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في المقابل يضمن لواشنطن حفظ ماء الوجه وضمان التنسيق مع طهران في العراق، إضافة إلى ذلك فإن الدول الكبرى وخاصة روسيا والصين والاتحاد الأوروبي تسعى لإنجاح عرض الحوافز، باعتباره المخرج من الأزمة الحالية، حيث إنه يضمن حق طهران في التخصيب للأغراض السلمية، طبقاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ولكن تحت رقابة دولية تمنع أي محاولة لطهران لإنتاج أسلحة نووية، بل وتضغط في اتجاه إبقاء الحوار مع إيران ومنع الأمور من التصعيد، لكن في النهاية ستظل لعبة الجذب والشد هي المسيطرة على تفاعلات قضية الملف النووي الإيراني من دون تغيير حقيقي في قواعد اللعبة، وإن كانت التطورات الحالية في الشرق الأوسط تدفع باتجاه إنجاح سياسة الجزرة، وخاصة أن قدرة المنطقة على استيعاب بؤر توتر وعنف جديدة، لم تعد تحتمل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية