|
ثقافة ماركيز إذا هو ذلك الصحافي الكولومبي الذي غاص في أعماق عالمنا من الشرق إلى الغرب وصولاً وانطلاقا من موطنه / كولومبيا/ هو ذاته ماركيز الذي عرف كيف يروي حكاياته بغرائبية هي في حقيقتها مستغرقة في واقعية شديدة الفجاجة والقسوة - والسريالية - إذا أردنا لأن الواقع في حقيقته ليس سوى ذلك وينعكس في حياة الإنسان في بلادنا والعالم على هذا النحو.. سواء جرت الموافقة على هذه المقولة.. أم لم تجرِ..لأن الأمر يتجاوز السرد.. والحكايات والروايات.. والفيلم التلفزيوني التسجيلي أو الوثائقي.. فكيف تحول كل ذلك إلى أدوات في يد ماركيز لكي يجعلنا نرى بعينيه.. وأحاسيسه كل مجريات العالم.. في قناعتي أن ماركيز على عظمته الفنية تأسس على عظمة أخرى لايراها الناس لأن هذا الكم الكبير من إنجازاته الفنية الأدبية يكاد يحجب حقيقة أكثر أهمية من كل ذلك.. أعني به الأساس الذي بنى عليه عمارته.. ما أعنيه تماما.. أن هذا الكاتب العظيم عاش حياته غير منفصل عن علاقته العضوية بهموم الناس العاديين التي اشترطت لديه معرفة واسعة بآلامهم وأحلامهم ومآسيهم الكبرى.. والصغيرة.. وأسئلتهم المتواصله حول الحياة على هذه الكرة الأرضية العامرة - ليس بالسلام.. وإنما بالحرب الطاحنة - على مجمل المساحة والحجم.. من شارع المصارف / وول ستريت / والبنك الدولي في أميريكا.. إلى الشوارع الخلفية فيها حيث تتحول المخدرات إلى خبز يومي للفقراء من الأطفال والنساء.. إلى البُنيات الحاكمة المنخورة بالفساد.. والعلاقات بالمستوردين والمروّجين ومؤسسات الشرطة من أميركا إلى مختلف مناطق الجنوب في العالم التي تتحكم فيها مافيات الوسطاء في تجارة السلاح والرقيق الأبيض ومفردات الحياة الاستهلاكية حيث تتراكم الأرباح السريعة في جيوب القلة على حساب القطاعات الأوسع من الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر أو عند حدوده سواء كان ذلك في المجتمعات المتقدمة أو المجتمعات المتخلفة.. وإذا ما أردنا أن نسرد القائمة التي تستهدف تدمير كل ماهو إنساني على طريقة ماركيز فهي طويلة.. وتشمل بالضرورة سلسلة الحروب التي تشنها الإمبريالية العالمية بالأصالة أو بالوكالة بزعامة أميركا وقياداتها.. على مساحة العالم.. أميركا التي هي العدو الأول للإنسانية في عالمنا.. ندرك إذاً أن عمارة ماركيز المبنية على هذا المستوى من المعرفة.. هي التي جعلت منه كاتباً عظيما استحق كل هذا الإجماع الإنساني حول منجزه الروائي بدءا من تحقيقاته الصحفية وصولا إلى تحقيقه حول مجازر تشيلي مرورا برواياته العظيمة من مثل مائة عام من العزله.. خريف البطريرك.. الحب في زمن الكوليرا.. قصة موت معلن.. والذي علم الدرس في كتابه كيف تروى الحكاية.. كل ذلك إضافة إلى قائمة طويلة من الأعمال والمقولات التي أصبحت أشبه ببيانات ثقافية تركت تأثيرا على القراء كما على الكتاب في شتى بقاع العالم ولاشك أن الإضافة الهامة التي قدمها / ماركيز / في التعبير عن الغرائيبة في رؤياه لما يحدث.. نكتشفها في رسالته المتضامنة مع شعبنا العربي الفلسطيني والتي كتبتها متوجها إلى الإنسانية كلها مقترحاً / جائزة نوبل للقتل / لكي تقدَم إلى واحد من أشرس مجرمي الحرب في عالما / هو أرييل شارون / عراب ومنفذ المذابح في فلسطين.. وجنوب لبنان وصبرا وشاتيلا.. لقد كان اقتراح / ماركيز / هذا صرخة في واد عالمي غير ذي زرع.. إلا أنها ترددت في مختلف وجدانات الإنسانية المضطهدة والمناضلة من أجل خلاصها من كل هذا الظلم الذي يجتاح العالم.. جائزة نوبل للقتل.. التي استحقها بيغن والسادات.. كما يستحقها طغاة كثيرون ومنهم / شارون / مازالوا يواصلون القتل على الأرض العربية السورية بالأدوات ذاتها والأسلحه نفسها والإعلام ذاته وفي المحصلة نجرؤ على القول بأن ماركيز بأدبه وسلوكه الإنساني العظيمين إنما صنع فارقا في القرن العشرين بين من هو مهموم بالحب وبالحرب ومن هو مهموم بذاته وانتظاره لجائزة نوبل في الأدب.. فعندما كتب ماركيز كل ماكتب لم يفكر بنوبل ولم يزحف على بطنه للحصول على هذه الجائزة التي قال ماركيز فيما إنه لايتذكر أنه حصل عليها بما يعني أن الأدب العظيم يبقى دائما أهم من الجوائز وان الأديب العظيم يبقى منارة في عصره يسترشد بها البحارة المقاومين للأعاصير والأنواء وعلامة يسترشد بها المبدعون في عصورهم القادمة كما استرشدو بقامات أدبية عظيمة سبقت لأن الأديب العظيم هو وحده الذي يصنع أدبا عظيما يغني حياة الإنسانية ويشكل واحدة من أهم رافعها ولكي أبسط المسألة لابد من القول بأن ماركيز أهم من أدبه لأنه هو الذي أنتجه ولأننا تلقيناه وقرأناه وتعلمنا منه.. يرحل / ماركيز/ وصوته يجلجل في جنبات العالم.. بينما يده خارج تابوته وفي كفه اقتراح باستحداث جائزة نوبل للقتل.. ولمن يستحق المحاكمة.. كمجرم يقتل الأطفال والشيوخ والنساء من هيروشيما وناغازاكي إلى فلسطين وسورية ومختلف البلاد التي ستواصل الكفاح من أجل خلاصها.. وخلاص الإنسانية.. |
|