|
دراسات أما التعابير فتجد أن الانطواء على النفس خجلاً من مواجهة الواقع بكل ما فيه من غيوم اليأس والقنوط هو أفضل وسيلة لحفظ ما تبقى من ماء وجه اللغة إذا سلمنا بوجود لغة في العالم تستطيع الادعاء أنها قادرة على الاقتراب من المشهد المأساوي الكارثي في غزة ولا نقول التفكير بجسه أو ملامسته.أما المصطلحات التي تزعم القدرة على تقريب المشهد من الذهن, فهي تقوم بجهد المقل وهي تعرف أنها ستعود من حيث أتت تجرّ أذيال الخيبة والهزيمة. هناك تهديد سافر من نائب وزير الدفاع في الكيان الصهيوني بسوق الفلسطينيين إلى المحرقة, ونحن نعلم أن المحرقة تستهدف نمطاً معيّناً من الناس المصنفين في خانة الأعداء, فهل يمكن النظر إلى ما يجري في غزة اليوم على أنه محرقة, ومن وقودها الناس والشجر والحجر وكل نسمة في الحياة أهؤلاء هم الأعداء?!. تدور طاحونة الموت في غزة والأسلحة المستخدمة في دفعها لتدور بسرعة جنونية ليست أسلحة كاتمة للصوت, فنلتمس العذر للعالم ونقول ربما لم يسمع بما يجري أو لم يشاهده, فالعالم يشاهد ما يجري هناك فتصاب الأيدي في مجلس الأمن بالشلل التام ولا تجرؤ على خط أحرف عبثية على الورق خشية أن تظنّ الولايات المتحدة الأميركية أن مسطّرها تسول له نفسه التفكير في الهمهمة بعبارات تدين الطفلة المدللة إسرائيل. إذا أخطأ مجلس الأمن وسارع إلى الانعقاد بطلب من الجامعة العربية أو من بعض الدول العربية فإن الأصابع ستصاب بحالة غريبة من اليباس فتفقد القدرة على الارتفاع قليلاً أو كثيراً لأن (واشنطن) لا تسمح لأحد بالاعتراض على ما تقوم به إسرائيل. حرب إبادة مستمرة أعلنت إسرائيل قيامها, لم يقم لها مجلس الأمن بل ظل قاعداً مستلقياً تارة على جنبه ومستسلماً لشعور منعش بالنعاس تارة أخرى, والمجرم الإسرائيلي يتلذذ برؤية دماء الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني أنهاراً يسعد عندما يرى جنوده يلقون بأنفسهم فيها ليتعلموا السباحة إن كان بعضهم لمّا يُجدها بعدُ! جنوده يشعرون بانتعاش ما بعده انتعاش ويسرهم أن يحصلوا على جوائز السباحة مع التيار الأميركي الذي يؤيد قتل الفلسطينيين وكل وما هو عربي ويعد بجوائز مغرية لمن يفوز بلقب الحاصد الأكبر للأرواح العربية. عدد الشهداء الفلسطينيين بلغ ستين, وتجاوز هذا الرقم, الأمر ليس مهمّاً في نظر الإدارة الأميركية, التي قد تربط ارتفاع عدد الضحايا بارتفاع أسعار النفط ما دام الموضوع يصب في المصلحة الأميركية في خاتمة المطاف, ومن يدري فقد ترى في هذا الكمّ من الضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني انتقاماً لعملتها المهزومة أمام زحف العملة الموحدة (اليورو) ومع أن المنطق يرفض مثل هذا الربط الخارج عن المنطق, إلا أن الواقع العربي وما يغلفه من صمت مؤلم قد يقود المرء إلى حالة من الجنون الواعي أو العقل المجنون فيرى الأشياء مترابطة بأمراس واهية من العشوائية والضبابية فيفقد اتزانه ويستسلم للوهم القاتل. ولكي تشعر إسرائيل بالراحة التامة وهي تصور حلقات جديدة من مسلسل إبادة الشعب العربي الفلسطيني فقد عملت (واشنطن) على رفدها بمخرجين متمرسين يعينونها إذا اخطأت أو قصرت في الإبادة, وضعتهم على متن المدمرة (كول) وطلبت منها أن ترسو على المياه الإقليمية اللبنانية, لتراقب ما يجري ببرودة أعصاب تكون مساعدة للإسرائيليين في الاحتفاظ ببرودة أعصابهم, وتشجيعهم على متابعة عملياتهم ا لإجرامية إذا شعروا بالتراخي أو التعب!. وحذار من الانسياق وراء التضليل الإعلامي الذي تمارسه إسرائيل مدعية أن الصواريخ التي تطلقها المقاومة الفلسطينية هي سبب انسكاب برميل البارود واشتعاله ناراً تأكل الأخضر واليابس, فقرار شنّ حرب الإبادة على الفلسطينيين قرار متخذ لا يرتبط بهذه الصواريخ لا من قريب ولا من بعيد. وبصرف النظر عن هذا الرأي أو ذاك في هذه الصواريخ الفلسطينية فإنها صواريخ ذكية يعرف من يطلقها لماذا تُطلق, وحسبها أنها كخيار وحيد متاح على المدى المنظور تشكل عنصر ردع وإن كان ما زال في صورته الأولية, هذا العنصر سيجبر إسرائيل إذا مضى قدماً في تطوّره على إعادة النظر في سياستها القائمة على التسلي بتقتيل الشعب الفلسطيني, لأنها ستعرف أن المقاومة الفلسطينية سترد لها الصاع صاعين مستقبلاً, إذا استمرت بهذه السياسة الطائشة الحمقاء. وحذار أن يظنّ الظانون أن إسرائيل ستتوقف عن حرب الإبادة المعلنة على الشعب الفلسطيني إذا توقف انهمار صواريخ المقاومة عليها, أو أنها تتخذ من سقوط الصواريخ حجّة للاستمرار في سياسة القتل, فما أكثر المرات التي أقدمت إسرائيل فيها على تجويع وحصار وقتل الفلسطينيين بسبب ودون سبب, وكم مرة كفّت المقاومة عن إطلاق صواريخها ولم تكفّ إسرائيل عن تصوير حلقات جديدة من مسلسل إبادة الشعب الفلسطيني الذي لم يعرف حتى الآن موعد بث الحلقة الأخيرة منه. وفي غمرة الليل المطبق على الديار الفلسطينية يطلّ موقف سورية المحذر من الأخطار التي تحيق بالفلسطينيين بل بالعرب كأمة قنديلاً يصرّ على التوهج في زمن الظلمة الدهماء, فحبذا لو التفت العرب إلى نصيحة سورية التي امتلكت على الدوام النظر الثاقب, وعملوا بنصيحتها في الكف عن الانسياق وراء الوعود الأميركية السرابية التي ستصبّ في حناجرهم لهيب العطش لا ثلج الريّ, واجتمعوا كلمة واحدة تقول بملء الفم: كفوا عن إبادة الشعب الفلسطيني وارفعوا أيديكم عن غزة التي لن تموت مهما أرهفتم حدّ سكينكم ووضعتموه على عنقها الشامخ. |
|