|
كتب إلى تعالق المحكي (الشفاهي- المكتوب) بالتاريخ والأساطير, مع تنوع جغرافيا الأساطير في فضاءات الثقافات المختلفة التي قد تتمازج أو تتماهى, لتؤدي وظيفة الحكاية المؤسسة على أجناس أدبية كالشعر مثلا. الذي يحوي الذاكرة الأولى الملهمة والمحفزة لما يمكن أن يشيد كونا أسطوريا تزينه الأفعال العجيبة والخوارق المثيرة. كتاب الحكايات الذي يستهل بمقدمتين محكمتين للمترجم د. مصطفى الباكور ود. عيسى العاكوب في الضرورة المعرفية للإرث الشعبي الفارسي يقودنا لمنهج اختيار القصص المضبوط ويدفع لثراء الحكاية رغم بساطتها الشديدة واقتصادها في الغالب الأعم من استطراد الرواة, ووفرة الخيال الشعبي الذي يفسر الصراع الذي قادته إيران ضد التباين على اعتباره صراعا بين مبدأي النور (الثنائية الزرداشتية) هكذا نقف على أرض الحكايات بدءا من سلطنة كيومرث ومراحل السلطة, مرث الذي اختاره الله لهداية قومه, وسيامك الذي قضى على العفريت الطاغي, وهوشنك الفارس الشجاع واكتشاف النار وانتباهه لخاصية النور المنبعث من النار, واكتشاف المعدن لتصنع منه الأدوات القتالية كالسيف والرمح, تاريخ ملوك وأبناء ملوك طهمورث, جمشيد, بليان ولطيف, لطيف الذي عمل بنصحية الشيخ وأقام مدينة في سفح الجبل لينجو بنفسه من الهلاك. وحين اكتملت مدينته وتزخرفت أطلق عليها اسم فارس, ليأتي الضحاك ويسلب ملك جمشيد وهكذا تدور الحكايات بزمنها الدائري وتعاقب الملوك, بكثافة الوقائع, المتلازمة بخط سير الزمن (الكرونولوجي) وخط سير الحكاية بألغازها المكشوفة, الشيقة أحيانا والمتوقعة عموما, يمنح الراوي قسطا وافرا للخيال ولتقاطع الأحداث الضرورية (في تلك اللحظة المهمة التي وقف فيها الطفل فريدون على قدميه, سقط الملك الضحاك من عرشه على الأرض) وسيظهر جليا العامل الأخلاقي, حينما تمكن فريدون بمساعدة (كاوة) الحداد من هزيمة الضحاك وإسقاط حكمه الظالم, عندما أمر فريدون بأن تصان نساء الضحّاك جميعاً فلا يتعرضن للأذى. لكن حضور العنقاء, يدفع بالحكاية الخرافية لتتوسط السرد, سواء في الحكايات الكبرى, أو في الحكايات الصغرى التي تنطوي على حدث ذي معنى معين. فالعنقاء التي صاحبت رجال الملك وهم يهمون بقطع شجرة, صاحت بهم (الويل لكم إن قطعتم هذه الشجرة) وسنعلم أن هذه الشجرة مقدسة, لأنها شجرة الحكيم زردشت, يغلّف السرد الحلم بالواقع ليؤدي وظيفة الحكاية في صورها التي تستدعي الذكاء, والحيلة, والبطولة, والتحفيز, ولاسيما في المستوى العجائبي واستثمار الخيال بكل طاقته سهم كيارش الضائع, الذي وجده فلاح أذربيجان, قطع نصف مساحة إيران, السهم المصنوع من عدة معادن ومواد كيميائية كالزئبق والذهب الخالص, حيث ينجذب الزئبق تلقائياً نحو الشمس, فكيارش انتظر الشمس حتى تنحدر نحو المغرب ثم أطلق السهم ليجتاز مسافة طويلة. فإلى جانب المأساة, تصور الحكايات جانباً بطولياً خارقاً لشخصية رستم المنقذ والمخلص والمكرس للمثل وأشكال الصراع في كون واقعي /اسطوري/ تاريخي لا يؤرخ فحسب, مع أنه يستخدم الأرقام كدلالة, ولكنه يؤسس لاستراتيجية المعنى كما في حكايات الملك كخيسرو, والبطل رستم, والملك العادل أنوشيروان, المعنى بكيفياته المحتملة, التعليمي, الحماسي, التهكمي, بما يعزز استلهام التراث الشعبي الفلكلوري ويغذي جانباً معرفيا, يختص بالثقافة الإيرانية الشعبية, في مستوى التقاطع السيري مع الثقافة العربية والهندية وسواهما.. فما يقابل جمشيد في الثقافة الأخرى نجد جانشاه في نصوص ألف ليلة وليلة ربما مجرد فرضية, ولكن هل وصلت لنا الشاهنامة بطريقة أخرى لنتعرف على مدونة, لا تقل عن مثيلاتها بالمعنى الأدبي البلاغي والتاريخي مثل جلجامش, والمهابهاراتا, والرامايانا, لنعاين سلطة الحكايات التاريخية -الأسطورية في الفضاء الثقافي الإنساني. < أحمد علي هلال الكتاب: حكايات من الأدب الشعبي الفارسي - تأليف: أبو القاسم انجوي شيرازي - ترجمة د. مصطفى الباكور - الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث- قطر- الدوحة- 2008 |
|