تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار..أطفالنا .. كيف نكتب لهم?!

آراء
الأربعاء 5/3/2008
ياسين رفاعية

في تجربة طويلة عشتها . عندما أسست وترأست تحرير مجلة للأطفال تحت اسم (سامر ) في بيروت وتحت شعار

(.. من أجل طفل عربي سعيد ..) أردت أن أطبق هذا الشعار في تأسيس أدب يمنحهم الفرح والسعادة ,‏

ويبعد عنهم هموم الآباء والأمهات. ويعلمهم الاعتماد على النفس , والتزود بالعلم والثقافة وقد بقيت أعمل على هذا الهدف حوالي سنتين من عمر المجلة التي لاقت نجاحاً منقطع النظير. ولظروف ما, تركت هذه المجلة لألتحق بعمل آخر في مجلة كانت تصدر في لندن, وكانت قد تسلمت المجلة المذكورة( سامر) من بعدي سيدة من هيئة التعليم, وظنت أنها تستطيع الاستمرار بها, ولكن لم تمض أشهر حتى تراجع بيع المجلة إلى حد اضطر أصحابها إلى توقيفها.‏

لقد استخلصت من هذه التجربة أن الكتابة للأطفال من أصعب أنواع الابداع, فكتابة قصة من صفحة أو صفحتين كانت تأخذ مني وقتاً يمكن استثماره في كتابة قصة طويلة من النوع الآخر من السرد والفكرة. ذلك أن الطفل يريد أن يقرأ شيئاً يستوعبه فكره دون جهد كبير , ومهمة الكاتب هنا أن يضمّن القصة الفكرة التي يريد زرعها وراء السطور, من هنا تبدو صعوبة الكتابة للأطفال. والمهمة الاولى للكتابة للاطفال شحذ أفكارهم وجذبهم إلى القراءة بلغة سهلة لا تعقيد فيها ولا مواربة. قد تكون لغة مباشرة ولكن بعيدة عن النصح وعدم اشعار الطفل أن ثمة من هو أكبر منه يريد أن يعلمه كيف يفهم أو يعيش وهذا خطأ كبير. ومعظم الذين يكتبون للأطفال يقعون في هذا الخطأ‏

إن مبادىء الحرية وحب الوطن, والاستئناس برأي الأم والأب. والصداقة والحب النبيل والفروسية. ذلك كله, وما يشبهه يأتي إلى النص بصورة غير مباشرة فيتشربها الطفل مع الوقت وتكبر وتنمو كلما زاد عمر الطفل إلى أن يصبح شاباً, فنكون قد أسسنا لهذه المبادىء والقيم وزرعناها في أفكار الطفل وعقله, لتنمو معه فتكون دستوراً لحياته كلما تقدم به العمر.‏

من الأشياء الجيدة التي نوحي بها للطفولة: الصدق في المعاملة لأن الكذب من الموبقات الكريهة التي يجب ان يبتعد عنها الطفل بكل أنواعها... وهنا تتجلى موهبة الكاتب الذي يكتب للأطفال, حيث يكتب أقصوصة. وغالباً تكون مصورة برسوم يبين فيها مخاطر الكذب وذيوله وبأن الصدق هو السلامة لأن حبل الكذب قصير وقصير جداً وعلى هذا المنوال تتم معالجة بقية المثل والقيم والمبادىء.‏

إن بناء مجتمع قوي يبدأ من الطفولة, وهنا تتجلى مسؤوليات الأب والأم والأستاذ والمدرسة فإذا كان معلم الصفوف الأولى في المدرسة ملماِ بعقلية الطفل ومتفهماً لظروفه. فإنه بذلك يساعد على نمو جيل سليم . لكن من ينظر إلى دور المعلمين في عالمنا العربي, سوف يلحظ أن مثل هذه المادة ( ادب الأطفال) ليست موجودة في كتب التعليم والأصول التي من المفروض أن يلم بها المعلم, وأول هذه الاصول عدم استخدام العنف مع التلاميذ, بل استخدام الجوائز وسيلة لتشجيع الطفل على الاجتهاد والتعلم, فذلك أفضل بكثير من استعمال( المسطرة) والضرب على الأصابع.‏

التربية, طبعاً تبدأ من البيت. وعندما يكون الأبوان مثقفين فإن ذلك ينعكس على تربية الطفل وتطوير قدراته. وكنت ذات يوم قد كتبت مقالاً بهذا المعنى أناشد فيه وزارات المعارف والتربية والتعليم, أن تحدث دورات للأمهات الأميات تعلمهن فيها كيفية التعامل مع الطفل. والأطفال عموماً وزرع المحبة في نفوسهن وتعلمهن ألا يستعملن مع أطفالهن لغة الترهيب والتعذيب والتخويف. بل لغة الترغيب والتشجيع, وعلى سبيل المثال إعطاء الطفل ( خرجية) مجزية, إذا أنجز دروسه بشكل جيد في المدرسة أو إذا أطاع أمه في موضوع ما عليه إنجازه.‏

والكتابة للأطفال يمكن أن تستخدم كل هذه الأساليب كوسيلة لتعزيز شخصيةالطفل وتعليمه الاعتماد على نفسه وإخلاصه لأسرته وأصدقائه والتعامل معهم بكل طيبة وصدق وإحساس بالمسؤولية.‏

والذي أريد أن أؤكده, هو ألا يستهل كتاب قصة الطفل الكتابة, لأن عليهم أن يفهموا جيداً أن الكتابة للأطفال مهمة صعبة تقع على كاهلهم, وآن عليهم احترام الطفل. فلا يعاملونه على أنه قاصر يمكن لنا( اللعب) عليه.إن احترام الطفل من موجبات الكتابة إليه, لأنها فن أولاً وأخيراًَ.‏

وها أنا أقدم نموذجاً لقصة طفل كتبتها الآن بالمناسبة وفي هذا الإطار:‏

-شجرة التفاح والعندليب‏

وقف عندليب على غصن أخضرمن أغصان شجرة التفاح وراح يغني بصوته العذب, وهو يتمايل مزهواً بنفسه, ثم نظر إلى شجرة التفاح وسألها:‏

- هل أطربك صوتي?‏

قالت شجرة التفاح:‏

- نعم كان صداحك جميلاً‏

قال العندليب للشجرة:‏

- أنت لا تستطيعين الغناء.. فما الفائدة منك?‏

قالت شجرة التفاح للعندليب:‏

- فوائدي كثيرة... أما أنت فلا تفيد إلا نفسك وعليك أن تتخلى عن أنانيتك.‏

سأل العندليب الشجرة‏

- هل أنا أناني حقاً?‏

قالت الشجرة للعندليب:‏

- لأنك لا تهتم إلا بنفسك.. بينما أنا الشجرة أهتم بثماري حتى يستفيد منها الناس.‏

قال العندليب للشجرة:‏

- أنت مجرد شجرة مغروسة في الأرض.. فماذا يستفيد منك الناس:‏

قالت الشجرة للعندليب:‏

إلا ترى أنني كل عام أحمل تفاحاً طيباً يبعه صاحبي للناس?‏

ونظر العندليب إلى الشجرة وقال:‏

- حقاً... لم انتبه إلى ذلك‏

تابعت شجرة التفاح حديثها قائلة:‏

- فأنا أتحمل برد الشتاء وصقيعه وأتحمل حر الصيف ولهيبه كي أعطي هذا الثمر الطيب... أضحي بنفسي كي يسعد الفلاح الذي زرعني واعتنى بي.. بينما أنت تهاجر إلى الامكنة الدافئة في الشتاء وتعود إلينا في الربيع, ولا يهمك إلا نفسك.‏

خجل العندليب من الشجرة وسألها:‏

- ماذا أفعل كي أفيد الناس?‏

قالت الشجرة للعندليب:‏

- إنك لا تملك إلا صوتاً جميلاً, و عليك أن تستغل هذه الموهبة في إسعاد الناس.‏

سأل العندليب الشجرة:‏

- وكيف أفعل ذلك?!‏

قالت الشجرة للعندليب:‏

- اذهب وقم بجولة فلا بد أن تجد من يطلب منك المساعده طار العندليب نحو المدينة, وجال في شوارعها وبين أبنيتها, وعندما تعب. وقف على درف نافذة يلهث ثم حانت منه التفافة إلى ما وراء النافذة, فرأى أما تهدهد طفلها الذي يبكي بشدة ودون توقف, فأخذ العندليب يغني من ألحانه الجميلة, وما أن سمع الطفل هذا الغناء العذب, حتى هدأ رويداً رويداً. وكف عن البكاء. وسرعان ما نام في حضن أمه‏

التفتت الأم نحو العندليب وهمست له: شكراً‏

شعر العندليب أنه فعل شيئاً مفيداً .‏

صفق بجناحيه وطار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية