|
ثقافة وولع بالأدلجة في بدايات كتابته النقدية.. ليخرج من أطر الادلجة النظرية والتطبيقية الى لبوس جديد لأطروحته في المناهج النقدية والمعرفية الجديدة. كرمت وزارة الثقافة مؤخرا الروائي والناقد نبيل سليمان في المركز الثقافي العربي باللاذقية باقامة الندوة النقدية التكريمية التي تناولت عطاء المبدع الروائي والنقدي الذي امتد على مساحة نصف قرن بلغ نتاجه سبع وثلاثين كتاباً. والتي استمرت لمدة يومين متتاليين تضمنت ثلاث جلسات شارك بها عدد من الباحثين النقديين من مصر,العراق, السعودية وسو رية وأفصحت أبحاثهم عن مكونات ابداعه ومزاياه الداعمة للرؤى الفكرية والانسانية القومية.. أهدى المبدع سليمان تكريمه الى من هو أولى منه في هذه المدينة, وخص بالذكر بو علي ياسين وإلياس مرقص وهاني الراهب, وحض القيمين في اللاذقية على ذكرهم على الأقل باسم شارع او مدرسة. وحث وزارة الثقافة لتوالي نهجها الحميد بتكريم من ذكر ومن فاته ذكرهم . مضيفاً: أصارحكم بأنني كلما اقترب هذا المساء كنت أزداد غبطة وقلقاً .إنها الغبطة بهذه المودة وبهذا التقدير. وإنه القلق في اشتباه التكريم بالوداع الاخير في ثقافتنا المعاصرة, حيث نصيب التكريم أدنى بكثير من نصيب النسيان والنكران.. لكنني متمسك بالبقاء معكم, أي بالكتابة معكم وعنكم وإليكم, أما الترميم فلعل أبلغه هو في دراسة ونقد أعمال المكرم. وأكد السيد وزير الثقافة د.رياض نعسان آغا على ان معرفته بنبيل سليمان بدأت بعدم حبه للنهج النقدي الذي يكتب ويتخذ المواقف النقدية من خلاله,ثم بدأ حباً به كشخص ليتحول اعجاباً بنتاجه الروائي بشكل عام وهذه كانت إحدى مفارقات نبيل سليمان.. إنجاز ضخم في الجلسة النقدية الأولى التي تمحورت حول نبيل سليمان ومواقفه الفكرية والادبية والنقدية شارك بها د.سيد البحراوي من مصر الذي تحدث عن نبيل سليمان النحلة والانسان مؤكدا على أن المحتفى به انسان يمتلك الكثير ويحرص على ان يقدم هذا الكثير الى العالم وانجز عشرين كتابا نقديا وثقافيا وسبع عشرة رواية, وهو انجاز ضخم على مستوى الكم يحتاج الى وقت .. غير أن الأهم هو الخصائص النوعية,فمع ان تركيز سليمان الغالب على الرواية ابداعا ونقداً, إلا ان اعماله النقدية تنوعت فبالاضافة الى النقد الروائي هناك اهتمام واضح بالايديولوجيا والثقافة عامة والماركسية والتراث العربي..مضيفاً لا يتورع نبيل من تجريب كل اشكال الكتابة الروائىة من حيث الطول فلديه القصيرة(جرماتي) والخماسية التي تتجاوز الألفي صفحة (مدارات الشرق)ومن حيث التوجه الفني بين الواقعية والسيرة الذاتية وتيار الوعي والحلمية.. وتناول د. سعيد الدين كليب نبيل سليمان ونقد النقد مبينا ان سليمان قدم خدمة كبرى للحركة النقدية الادبية, في سورية سواء أكان ذلك من خلال المشاركة والمتابعة والمساجلة النقدية أم من خلال توطيد النقد ونقد النقد في الوعي الثقافي. وعارضا سمات نقد النقد لدى سليمان والتي تتحدد بنقد النقد المتبع في النص النقدي في علاقته بالنص الادبي.. ونقد الأسس النظرية الكلية الناظمة للنقد.. ونقد الآراء والافكار الجزئية في علاقتها فيما بينها وعلاقتها بالأسس النظرية الكلية. ونقد النقد من منظور علاقته بالفعالة الاجتماعية-الثقافية.. استمرت الندوة التكريمية للروائي نبيل سليمان في يومها الثاني وتصدت الجلستان النقديتان الى نبيل سليمان قاصا وروائيا.. شارك في الجلسة الأولى د. سعد البازعي من السعودية وتناول ارتباك العيش في درج الليل- درج النهار فهذه الرواية تطرح جملة من القضايا على مستوى الثيمات والشكل وتقترح توظيف الشكلي للدخول في المستوى الآخر فالاقتباس في أولا: لرواية تضيء دلالات العنوان مثلما تعين على تبين بعض جوانب الثيمات التي يتناولها العمل. وفي المجمل فإن ما تطرحه الرواية هو صورة من مجتمع نخبوي تكنوقراطي يعيش حالة من الارتباك الوجودي, أي المتصل بقيمة سلوكه مثلما هو متصل بالظروف التي تحيط به على المستويات كافة, السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ويتابع البازعي مؤكدا: الاقتباس الأول, المستمد من مصدر صوفي, يوحي بأن ثمة حقيقة يمكن الوصول إليها وراء تلك الادراج المتعاقبة في الليل والنهار باشارته الى (درج الحقيقة) لكنه في الآن نفسه يشير الى حجم الاضراب والزيف اللذين تموج بهما أحداث الرواية, وذلك بإشارته الى تخلي الأصدقاء وحجم المعاناة المطلوبة للوصول الى تلك الحقيقة, او الى انقاذ المجتمع من الوضع, ومنها التحقيق الأمني والاضطهاد الذي تلقاه فئة دينية هي فئة الايزيديين . كما تفيض الرواية بقلق إزاء الاحداث السياسية المحيطة, وفي طليعتها الحرب المتوقعة في العراق حين كتب الرواية. إضاءات وقدم د. محمد صابر عبيد من العراق مجموعة من الاضاءات التي كشفت عن مفاصل القراءة لرواية (دلعون) بوصفها الرواية الاخيرة للمحتفى به وعرج فيها على التشكيل الايروسي وحساسية التعبير السردي. (فدلعون)أتت بعد تجربة ثرة امتدت على مساحة زمنية اشتغل بها الروائي على عدة كتابات وتفنن بالتقانات الروائية الحرة والتي اعطته فرصة للكتابة كما يشاء. فتجربة سليمان أسهمت اسهاماً فاعلاً في انتاج ا لرواية المعاصرة ورواية (دلعون) مغامرة روائية شكلت موقعاًمتميزاً في المدونة السردية العربية الحديثة. وأشار د. عبيد على ان الروائي حاول كسر هيمنة القضية المركزية وسيطرة الحكاية على المسرود الروائي وراح يفتح أفقه على مسارات سرد سيري شخصاني, مشتت نسبياً. لا يعبأ بالعناصر والمكونات والسياقات التقليدية في الحكي والتصوير السردي بغية انشاء عمارة سرية ذات هندسة روائية خاصة, تنهض على تفوق حضور الشخصية الروائية ذاتها , وانفتاحها على المشهد السردي بتلقائية مقصودة تتعمد استظهار باطنية الشخصية على سطح ظاهرها . مبينا ان الفضاء العام والمهيمن على الرواية فضاء مقهور ومتوتر ينطوي على ضياع مأساوي عميق, ويحظى التشكل الايروسي فيه بحضور طاغ وجوهري ومقصود, وهو في مضمونه الدفين يسعى الى الانتصار على اللحظة السردية المشبعة بالقهر والتوتر وفقدان الأمل. نص كرنفالي وتصدت د.زبيدة القاضي الى رواية (مجاز العشق) ملتقى النصوص والفنون واعتبرت الرواية نصاً (كرنفالياً) مشيرة الى ان المواد غير الادبية فيها انفتحت على جملة من الخطابات والنصوص غير الادبية استعارها الكاتب من فضاءات مختلفة, واختزلتها في ثلاثة حقول(اعلامي, ثقافي, اجتماعي).. واستمدت الرواية حداثة كتابتها من التفجير المتعمد من قبل الروائي لأبنية اللغة وأنساق الاسلوب بغية اشتقاق لغة جديدة من اللغة ذاتها .. ونحت اسلوب متميز من خلال تدميره انساق الاسلوب التقليدي بتحويل التناسق الى تفكك يصبح هو الآخر تناسقاً يطبع كلية النص, لا تجزئة ولا تفصيل وتأتي الكتابة وكأنها جملة واحدة متواصلة. واتخذ د.وفيق سليطين رواية سليمان الاخيرة (دلعون) مادة لبناء ( الذرى السردية في التأويل والتنازع الدلالي)فبدأ بتعريف مقترح للذروة السردية, يفرق فيه بينها وبين الحبكة ويميز بين أنواع الذرى السردية, المركزية منها والفرعية, على قاعدة الربط بالبنية والوظيفة من جهة وبانتاج الدلالة الكلية من جهة أخرى, كما ذهب الى تطبيق مقترحه الموصول بالذروة السردية على الرواية مشخصاً ذروتها المركزية في احتدام المواجهة عند شليطا (سرديا ودلالياً) وقدم من خلال التحليل الموضوعي فحصاً لحوافز التنامي, ولمركبات التعقيد والتنازع المشكلة للذروة الموصوفة في منحى تحريض ممكنات التأويل والانفتاح عليها , من خلال الربط بتحولات السرد وخاصيات بناء لحظة (الذروة) لرد ذلك على باقي الاجزاء في تعالقها وتفاعلها , بما يهيء الدلالة الكلية للنص من منظور هذا التناول. ورغم أن د.فيصل دراج لم يتمكن من الحضور إلا ان بحثه قدم من خلال د. صلاح صالح جاء فيها : يمثل نبيل سليمان منذ ثلاثة عقود تقريباً الصوت السوري الروائي الاكثر اجتهادا وتنوعاً , وإن لم يمثل حالة ثقافية خاصة تمارس النقد والنشر والكتابة الروائية والمداخلة الفكرية الضرورية , واذا كان في هذه الممارسة أعطى الرواية السورية افقاً جديداً, فقد كان ذلك الجهد المتراكم الذي صوب أدوات الروائي, واتاح له ان يكتب مدارات الشرق التي قرأت التاريخ القريب بأدوات روائية, وان يساجل التاريخ القائم في مساحات يومية ضيقة, وما رواياته (السجن, وثلج الصيف.. إلا إنه على هذا السجال الخصيب الذي يقرأ الواقع في نزوعه وينظر الى هذا النزوع من دون غبطة ولا مسرة. والتاريخ اليومي الذي يرصده سليمان ويؤوله ويرفضه, مرآة للقيم الانسانية التي إن ارتقت وعدت بخير إن تسفلت أنذرت بمستقبل من هشيم.. وتشير الورقة الى ان اعمال سليمان الروائية تنتج بمعنيين مختلفين للتاريخ: يساوي الأول منهما بين التاريخ والوقائع الماضية حيث ما مضى أخذ دلالة خاصة به تقبل أكثر من تأويل أما المعنى الثاني فمرتبط بوقائع حاضرة لا تزال تتكون وتتطور ولم تأخذ صيغة نهائية والمعنى الثاني صادر عن شخصيات مختلفة تعيش حياة يومية وتسهم في تشكيلها وبنائها انطلاقا من ممارسات ومواقف وتصدرات متعددة. يتعين المعنى الثاني في حقل القيم, ذلك إن التاريخ في تقدمه وتراجعه مرآة لتقدم القيم أو تراجعها.. تجليات ثقافية وتناولت د.شهلا العجيلي ( تجليات النسق الثقافي في نص سليمان الروائي) والتي أكدت خلال عرضها أنه نص متطور وتجربته في الكتابة تجربة تصاعدية , يتحول النص فيها من الايديولوجي,ليصير الى الجمال- المعرفي الذي تسعى اليه نظرية الرواية, ويبدو هذا التحول جلياً في انتقال سليمان من كتابة (المدارات) بأجزائها الاربعة الى كتابة رواياته الاخيرة ( في غيابها), ودرج الليل-درج النهار.. و(دلعون) إذ يلحط المتلقي انتقال الكتابة الروائية لدى نبيل سليمان من مرحلة استقطاب النص لمقولات النظرية الى مرحلة كتابة التجربة, فكيفّ نصه ليكون ايديولوجياً, وتاريخياً, وسياسياً من غير ان يتخلى عن الايديولوجيا والتاريخ والسياسة.. ويعود ذلك التحول الى اكتشاف المبدع وجوهاً جديدة لعلاقته بالنسق الثقافي, مما اقتضى الشغل بلعبة سردية جديدة على كل النسق المسيطر والنسق المعارض في الثقافة. تعدد بنية السرد ليختم د. رضوان قضماني بخطاب نبيل سليمان الروائي (من الحكاية الى تأويل الحكاية: السرد ولغة التشكيل الدلالي فيه)مشيراً الى أن منذ صدور روايته ينداح الطوفان 1970 وحتى صدور روايته الاخيرة دلعون 2006 راحت بنية السرد الروائي عند سليمان تتعدد بين عمل وآخر منتقلة من الحكاية القائمة على أحادية صوت الراوي الى تجاوز الراوي الى ساردين عدة سعيا الى خلق تعددية الاصوات, وراحت لغة السرد الروائي في تشكيلاتها الدلالية تتجاوز الخطاب التنويري ثم الثوري الايديولوجي الى اختراق التابوات السياسية والدينية والجنسية في محاولة للخروج من حكي الحكاية الى تأويلها ليخرج صاحبها بذلك عن نهج الرواية السورية قبل حروب عام 1967 متجاوزاً الواقعية بأنواعها واشكالها الى تشكيلات سريدة جديدة تتجاوزها على الرغم من حفاظ السرد على تفاصيل الحياة الدقيقة التي قد تصدم القارئ بما تحمله من كشف وصراحة وصدق ومرارة في حياة جيل كامل نشأ في سورية. ختام الندوة في ختام الندوة التكريمية تلت د.شهلا العجيلي رسالة الناقد سعيد يقطين التي وجهها الى الروائي المكرم عنوانها (نبيل سليمان شهريار التخييل العربي) جاء فيها : لقد تبين لي من خلال اللقاء والقراءة والاطلاع ان نبيل سليمان من معدن نادر من الرجال. وحسبه أنه ممن يؤلف ويألف . يملأ المجالس الثقافية بهجة وحبوراً, وكيف والبسمة لا تفارق محياه حتى في أحلك الظروف وأصعبها , كما ان نقاشاته الجادة تكشف عن شخص لا يسالم ولا يهادن, ليس حباً في السجال والخلاف , ولكن مبتغاه تحقيق حلم راوده أبداً, وهو أن يرى للانسان العربي موقعاً جيداً في العصر الحديث). ويضيف السيد سعيد يقطين: مكانة نبيل سليمان المتميزة في المشهد النقدي والروائي العربيين, وهذه المكانة لم تتحقق إلا له بصورة فريدة تكمن هذه المكانة في كونه متتبعا جيدا دؤوبا ودقيقاً لكل ما يصدر في العالم العربي من نقد ورواية ,وسواهما .. والكاتب نبيل سليمان المهووس بقلق السرد لأنه يتصادى مع هموم الأمة وشجونها, والناقد المشاكس لأنه يهوى الارتقاء بالانساني فيه في الواقع من الشجن الى الشجو. تقتصر الكلمات عن الاحاطة بعوالم كتاباتك الزاخرة والغنية والمتنوعة. طالما أجلت اقتحام هذه العوالم وارتياد فضاءاتها الرحبة. هنيئاً لك هذا التكريم الذي أنت أهله, ومزيداً من العافية والعطاء). |
|