تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحرب على لبنان ...سقوط الرهانات وفشل الأهداف العدوانية

شؤون سياسية
الاربعاء 9/8/2006م
بقلم د. فايز عز الدين

يكاد ينقضي شهر على العدوان الهمجي الصهيوني على القطر اللبناني الشقيق, والفارق واضح جداً بين صورتين تفرضان لونهما على المجتمع العربي,

والإقليمي, والدولي, الصورة الأولى يرتسم فيها مشهد العدوان المخالف لكل عرف دولي للحرب, أو لأية نزعة عدوانية طالما أنه لم يترك من الحجر, والبشر إلا وثبت فظاعته عليها دون أي رادع من ضمير, أو قيمة إنسانية, أومعنى حضاري,والصورة الثانية هي صورة المقاوم العربي صاحب الحق وصاحب القضية, وصاحب ا لإرادة الاستشهادية من أجلهما.‏

وما بين الصورتين تتراءى لنا الحالة العربية لننظر فيها ما يتغاير نسبياً بفضل نتائج الحرب الدائرة على أرض الكرامة, لاسيما حين أخذت حقيقة العجز العسكري الاسرائيلي تظهر يوماً بعد يوم, وحقيقة المجابهة البطلة تعطي اشاراتها لكل ذي بصر وبصيرة.‏

وها هي الأمة ا لعربية عبر روافعها الكبرى: النظام الشعبي, والنظام الرسمي, والنظام الإقليمي العربي تعيد قراءة الحدث, تتناغم مع البوادر الواضحة لسقوط الرهانات, وفشل عقلية العدوان ومنطق الاستخدام اللامحدود للقوة, وفي هذه الإعادة تطرح الأمة المسألة على نحو أكثر صلة بحقائق صراعها مع العدو الصهيوني المحتل, وبطبيعة الدعم الدولي الامبريالي والأميركي له, وبما هي عليه مؤسسات الشرعية الدولية من ارتباك نتيجة الهيمنة الأميركية عليها. وأخيراً هل استجد من نتائج هذه الحرب العدوانية على لبنان بما تفيد منه الأمة ويعتبر بارقة أمل سليمة في ذهنيتها الحاضرة تعينها على الانتباه اللازم والتقارب المطموح فيه, والقناعة بأن سوبرمانية العدو الصهيوني وحتى مع الدعم الأمرو بريطاني له ليست شيئاً على مجال الاختبار اليومي في هذه الحرب الغاشمة??‏

نعم إن أشياء جديدة قد استولدتها هذه ا لوقفة البطلة للمقاومة في الجنوب , ومن يساندها من العرب الأشقاء الذين هم شعب واحد في دولتين, ومازالوا على الثابت الأزلي أننا في سورية نتقاسم الحياة, والموت على كل رقعة من أرض لبنان, أو من أرض سورية, وهذه المعادلة لم نهجرها نتيجة التجاذبات السياسية التي حصلت, أو اضطراب بعض الأدوار للفرقاء المعنيين, والقاعدة عند العرب الأقحاح عبر عنها شاعرهم حين قال: وكانت إذا احتربت وفاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها. وقال آخر: إذا ألمت بوادي النيل نازلة باتت لها راسيات الشام تضطرب.‏

الحرب حدث جليل دوما في حياة الناس, وفي مصائر الأمم, وضرورات وجودها التاريخي, والاجتماعي, والبنيوي ومن أرض المعركة تولد رؤى, وتموت رؤى وبهذا الحال تأتي نتائج هذا الحدث محركاً هاماً لتاريخ جديد إذ من غير الممكن أن تبقى الأحوال السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية المعنية كما كانت عليه قبلها, وحين يكون التاريخ سجلاً لحيوات البشر, وطرائق تفكيرهم وعيشهم فالحدث ميدان التاريخ الأهم, والحرب ذروة الحدث وفي حدث الحرب العدوانية على لبنان تكشف لنا عن نفسها حقائق الحالة الدولية الحاضرة, وكيفية تبدل القناعات فيها على ضوء نتائج العدوان السلبية على اسرائيل, وعلى من يناصرها بدون منطق, وبدون أدنى احترام لكل شرعة دولية لحقوق الإنسان, والأوطان, أو لميثاق الأمم المتحدة أو للقانون الدولي.‏

فالقاعدة التي تفرضها مرئيات الواقع الدولي توحي بأن المجتمع الدولي بات يضيق ذرعاً بهذا التطاول على محدداته منذ نهاية الحرب الكونية الثانية عام 1945 حتى اليوم, حيث إن العدوان الاسرائيلي قد استباح كل ما توافقت عليه الأمم, ومازال متفلتاً من كل التزام دولي مطلوب, والسؤال الآن عند مليارات العالم هو إلام ستبقى اسرائىل الوحيدة العاصية على إرادة المجتمع الدولي, وقراراته ومشاريعه وتطلعاته وتبقى محمية في هذا العصيان?!!‏

في مثل هذه الصورة نراقب كيف أن أوروبا عبر الاتحاد الأوروبي لديها الرغبة بأن يوقف إطلاق النار مباشرة, وتتوافق معها في هذه القضية جميع دول العالم, واسرائىل ترفض الركون لرغبة العالم, وتلوذ بحماية أميركا لها في هذا الشأن.‏

وبناء عليه فمن الثابت في تطورات الرأي العام الدولي التي تستعرضها لنا قياسات الرأى العام, واستطلاعات مراكز البحوث أن اسرائيل لم تعد تلقى أي تأييد في عدوانها على الحياة, والحضارة , والمستقبل في لبنان وأنها أصبحت في نظر المراقب الدولي بلداً متغطرساً, معزولاً يمارس سياسة القتل, والتدمير, والترحيل, والاستهتار القصدي بكافة القيم الدولية الناظمة للأخلاق, والقانون, والسياسة.‏

وفي الوقت الذي يصل فيه كيان العدوان إلى مثل هذه المشهدية المستنكرة إقليمياً, ودولياً يقتضي الأمر أن يفيد العرب من هذا التدهور في سمعة اسرائىل, ويعملوا- متضامنين- على تشكيل موقف عربي موحد إزاء العدوان الجائر على لبنان, وهم الآن معنيون بالتقاط البرهة التاريخية التي أصبحت مناسبة لهم, وإذا ما فعلوا سيربحون الموقف الدولي الذي بات مؤهلاً لإستنكار العدوان, ومطالبة اسرائىل بالإذعان للإرادة الدولية, وقرارات مؤسساتها الشرعية, وقد يكون بهذا الصدد أن الهزيمة التي ستلحق بالعدوان وبمن ناصره ستؤول الحالة معها إلى جدية في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي ضد الصهيونية, نفهم هذا عبر استباق أميركا على لسان بوش الابن, ووزيرة خارجيته في طرح مقولة الشرق الأوسط الجديد, نعم إن جديداً في الشرق الأوسط العربي سيكون, وفي طليعته تبدل الحالة العربية من التشتت إلى التوحد ومن القناعات المتعددة إلى التوافقية الحامية للوجود, والمصير, والمشاريع العربية.‏

ولخوف اسرائىل وأميركا وبريطانيا من انتقال العمل العربي إلى حالة التوافق, والإصرار على عدم ترك اسرائىل تقطف ثمار عدوانها نرى إلى هؤلاء كيف يبذلون أقصى الجهود الديبلوماسية حتى يمددوا زمن العدوان, ويجعلوا اسرائيل في أي وضع يمكن أن تفرض فيه شروطها, وخاصة في القوة الدولية المتعددة الأطراف المزمع تشكيلها.‏

ومن استقراء هذا العدوان الورطة بالنسبة لاسرائىل وداعمها الأكبر أميركا يمكن أن نقارب مجموعة من الظهورات السياسية والعسكرية والاقتصادية الجديدة في سياق الجرائم الكبرى التي اقترفتها اسرائيل المهزومة وعلى رأس هذه الجرائم قانا الثانية, فقانا أصبحت الوسم الهمجي الذي يطبع العدوان بطابع النازية, والفاشية.‏

وقانا الثانية هي مفصل جديد من مفاصل الحرب العدوانية المستنكرة عربياً, ودولياً, وقانا الثانية ستصبح نافذة الرؤية المأمولة نحو ذهن عربي جديد, وتوثب عربي جديد, ووجدان عربي جديد, وبهذا بداية عصر لا يمكن لأميركا واسرائيل ومن في فلكهما أن يمنعوا سطوع شمسه... ومن اللافت عربياً أن قوى عربية مهمة في السياسة العربية أدركت القصورات, وصارت ترفض العجوزات, وتتوجه نحو اجتماعات وزارية عربية جديدة تدرس فيها ا لمهام العربية الراهنة, وينظر فيها بجدية إلى هذا الاستقواء المكروه بالقوة الغاشمة, وبالحرب على كل شيء دون رادع من ضمير.‏

وقد تعرض المسؤول الروسي السابق يغفيني بريماكوف في كتابه: العالم بعد حوادث الحادي عشر من أيلول 2001 إلى استخدام أميركا لقوتها دون أن تراعي حدود هذه القوة, فكل تفريط في حدود القوة سيمثل استثماراً خاسراً لها باعتبار أن آليات رد الفعل ستأتي مانعة لتحقيق أي هدف من أ هداف ا ستخدام القوة اللامحدودة.‏

واليوم نشهد إدراكاً دولياً واضح التنكر لعدم تقييد القوة لدى أميركا, واسرائيل, ورغبة دولية مؤثرة في الوقوف عند حد يتفق مع أعراف الأمم, ومنطق النزاعات. وروحية علمية تتطلع إلى كلمة كفى عدواناً على أصحاب الحقوق الشرعية, والأرض التاريخية, والأحلام الإنسانية. والدعوة التي أصبحنا نلحظها ونقدم رغبتنا فيها لأمتنا العربية هي أن نستبصر جميعاً بخذلان السوبرمانية الصهيونية في قتالها على أرضنا العربية , ونتعاضد لتأكيد هزيمتها باعتبارها أصبحت منظورة, وألا يسايرنا أدنى شك في أن اسرائيل كما فرضت علينا بالقوة الغاشمة, يمكن لنا أن نهزمها بالقوة العادلة, وبظهور الحق وزهوق الباطل, إن الباطل كان زهوقاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية