تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التذوق... الحاسة التي تهواها الكتابة

كتب
الاربعاء 9/8/2006م
سامر أنور الشمالي

يتناول الناقد (لاسل آبر كرمي) مواضيع مفصلية على غاية كبيرة من الأهمية,يمكن اعتبارها من أساسيات النقد الأدبي,لهذا لم يكن عنوان كتابه (قواعد النقد الأدبي) مبالغاً فيه على صغر حجم الكتاب,باعتباره 156 صفحة من القطع المتوسط.

ونظراً للمساحة المحددة لعرض هذا الكتاب سأتناول الفصل الأول المعنون (المقدمة) باعتبار ماورد فيه ليس مقدمة للكتاب فحسب,بل مقدمة للاطلاع على قواعد النقد الأدبي عامة,إضافة إلى الإلمام بقواعد الكتابة,والتلقي.‏

مع التنويه أن مصطلح قواعد هنا لا تعني الشروط الحتمية الملزمة,بل الأسس التي ينبغي معرفتها.‏

قال سقراط:(ولقد سألت كلاً منهم عما عناه بشعره,فلم يكن منهم من استطاع الإجابة على سؤالي هذا,ولقد جمعني وإياهم مجلس ضم الكثير من المعجبين بهم وبأشعارهم,فلم يكن بين الحضور رجل وإلا وهو الأقدر على التحدث عن تلك الأشعار من الشعراء أنفسهم).‏

بهذا القول يكون سقراط أول من فرق بين تأليف الأدب وتلقيه بشكل منهجي محكم ولكن بالتأكيد ليس أول من عزا الإلهام إلى قوى غيبية تخص -لسبب ما- أناساً دون غيرهم,ليس لأنهم أكثر الناس ذكاء,ومعرفة,وحكمة,وبذلك يلتقي (سقراط) مع النظرة القديمة الشائعة التي تشبه الشعراء بالأنبياء والكهنة.‏

والجدير بالذكر أن (سقراط) يجد أن القدرة على نظم الشعر,أو حتى على تذوقه,تعود إلى طبيعة خاصة في النفس,وإن كان ثمة فرق كبير بينهما,باعتبار الأولى:منتجة/إيجابية,والثانية:متلقية/سلبية.‏

كما يرى (سقراط) أن ميزة النقد الأدبي يمكن أن يكتسبها الذين يحصلون على المعرفة الأدبية, فإذا كان الابتكار,أو التلقي,ملكات فطرية قوامها:الموهبة,فإن النقد قوامه:التحليل,والشرح,والتفسير,وهذا لا ينفي أن يختص الناقد بموهبة في النقد.‏

والنقد يتفرد بأن منهجه يعتمد على أساسيات منطقية يمكن اتباعها بدقة للخروج بالنتيجة المطلوبة,بعكس الابتكار,والتلقي,اللذين لا يخضعان لمنظومة محكمة يمكن اتباعها للخروج بالنتيجة المرجوة.علماً أن الذين ليس لهم القدرة على النظم,أو التذوق,أيضاً ليس لديهم القدرة على تلقي النقد,باعتبار النقد مبنياً على نتاج مسبق وهو الأدب,فمن لا يقيم علاقة جيدة مع الأدب تعد علاقته مقطوعة مع نقد الأدب.‏

مع التنويه بإمكانية تجاور ملكة النقد مع ملكتي:التأليف,والتذوق.حيث من الممكن أن يكون الشاعر,أو القارئ,صاحب أحكام نقدية على درجة عالية من الفهم الصحيح للنقد وشروطه,وهذا ما يجعل المؤلف يجود نصه,فيكون أكثر إحكاماً,ومهارة,وصنعة.كما يعزز تذوق القارئ,فيجعله أكثر غوصاً في المعنى,فيحصل على المزيد من المتعة.‏

وبذلك يكون (سقراط) أول من أرسى قواعد النقد الأدبي,تنظيراً,وتطبيقاً.‏

في الختام لابد من الإشارة إلى نقطة هامة في الفصل الأول,تلك التي قسمت النقد الأدبي إلى قسمين متجاورين,باعتبار أنه لا غنى لأي قسم منهما عن الاستعانة بالآخر أثناء البحث الأدبي.‏

القسم الأول من النقد الأدبي يتدرج من العام إلى الخاص,وهو الذي يدرس:مفهوم الأدب,وخصائصه,وطبيعته,وماهيته,أو بمعنى آخر (نظرية الأدب)‏

والقسم الثاني ينتقل من الخاص إلى العام,وهو الذي يدرس نصاً معيناً ليحلله,ويشرحه,ويبين فنيته,وأسلوبه,والهدف منه,وأيضاً يكشف جوانبه كافة,سواء السلبية,أو الإيجابية,أو بمعنى آخر (النقد التطبيقي)‏

بقي أن نقول إن هذا الكتاب لا تقتصر أهميته على الفائدة التي يقدمها الكاتب عندما يتناول ملكة الابتكار,أو للناقد عندما يتناول شروط النقد ومنهجه,بل للقارئ أيضاً,ولا سيما عندما يتناول أهمية المعرفة الأدبية كي يكون التذوق مبنياً على أسس معرفية لا تكتفي بالاستمتاع الاعتباطي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية