تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أكاديميو جامعة دمشق: المقاومة .. فعل حياة.. وثقافة

شؤون ثقا فية
الاربعاء 9/8/2006م
فاتن دعبول

يقول ( الدكتور سمير حسن عميد كلية الاداب في تعريف الثقافة بأنها منظومة القيم والمعايير والمفاهيم التي تتبناها الجامعة

وتوجه سلوك افرادها, انها تهيئ منظومة من الاجابات على أسئلة الوجود والحياة وتحدياتها, وحين تقل جدوى الثقافة تفشل في الاستجابة لمتطلبات الوجود والحياة وتطلعات الجماعة, فإن الجماعة تبدأ بتعديل منظومة القيم التي تحملها او تغيرها بحيث تستجيب للتحديات- واذا كانت هذه المقدمة منطقية-وانا اعتقد ذلك - يقول د.حسن تعالوا لنختبرها فيما يجري في منطقتنا العربية.‏

ثقافة المواجهة العربية ومنظومتها القيمية السلوكية للمجتمع‏

ويطرح بدوره التساؤل التالي : ماذا عن الواقع العربي والقوة العربية وثقافة المواجهة العربية ومنظومتها القيمية والسلوكية في هذا الصدد..‏

يقول: اعتقد ان ابسط انسان عربي يستطيع ان يصف ذلك , ومع ذلك اليكم المشهد:‏

اقطار وانظمة وزعماء منقسمون ومختلفون على كل شيء الا ضرورة استمرارهم ورضا اميركا عنهم وأمن انظمتهم الداخلي , عجز واضح وفاضح تجاه الغطرسة والتهديد والعدوان الاسرائيلي, رضوخ مهين وفخر لرغبات الادارة الاميركية, امكانات وثروات عربية هائلة مستباحة ومبددة ومهدورة ومنهوبة من الداخل والخارج, شعوب مقهورة ومغلوبة على امرها مع شعور مكبوت دفين بالقهر والغضب والنقمة لدى كل فرد يشعر بالانتماء للعروبة باختصار شديد.‏

ضعف وتفريط واستسلام او تخاذل او تآمر او تواطؤ او خوف عربي رسمي ( احدها او بعضها او كلها معا) يعني انعدام ثقافة المواجهة او ثقافة هوان , ثقافة مواجهة خائبة وخاسرة ولا تستجيب لتحديات الوجود ولأبسط متطلبات الحماية ولأمن والكرامة العربية.‏

هذا الواقع وهذا الاداء العربي الرسمي المتخاذل وثقافته التي لا تستجيب لمتطلبات المحافظة على الكرامة والوجود والحياة يعني البحث عن ثقافة مواجهة اخرى وطريقة تعامل مختلفة تستجيب للتحديات وفق المقدمة فهل بقي للعرب من طريق للحياة وللمحافظة على الوجود وعلى الحدود الدنيا من الكرامة غير المقاومة, وهل هناك ضوء في دنيا العرب اليوم غير المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والمقاومة العراقية.. وهل هناك اليوم قوة لمواجهة الخارج ممن يمتهنون كرامة العرب ويتباهون بغطرستهم على الامم والشعوب والعالم اجمع, هل هناك غير المقاومة.‏

ويؤكد د.حسن ان هذه ليست بانفعالات وعواطف او زيادة حمية وحماس او ايديولوجيا او كلام غير علمي وغير واقعي كما يحلو للمستسلمين ان يصوروا بل هي امر واقع وكلام موضوعي وهو واضح للجميع, قبل البعض ام انكر , هذا واقع ترسمه وتخططه المقاومة اللبنانية اليوم بالماء الطاهر, هي نمط حياة وثقافة تعاش حقاً.‏

والمقاومة هي رد الفعل الطبيعي المبرر والمشروع على الاعتداء والعدوان,هي السبيل لحماية الذات والدفاع عنها ضد العدوان ودفع الاذى, وهي ثقافة تتضمن البحث عن الامان والاستقرار والسلام .‏

ثقافة المقاومة‏

إن الهدف الأسمى للمقاومة هو الاستقرار والسلام وليس اخطر على السلام من تحوله الى الاستسلام في جو الخلط والمساواة المقصودة بين المقاومة والارهاب الذي تستغله الادارة الاميركية في ادارة العالم وفي تهديد الانظمة والقوى المقاومة.‏

ثقافة المقاومة تتأسس على حق الانسان بالكرامة والحياة الآمنة والشعور بالحرية والاستقلال وذلك ما من شأنه تحقيق السلام وتعزيزه.‏

وسيتحدث انصار ثقافة الهوان والاستسلام عن الخلل الكبير في ميزان القوى بين المقاومة والعدو ولكننا نقول متى كان هناك تكافؤ في القوى : إن التاريخ يبين ان حركات التحرر كافة بدأت في ظل موازين مختلفة للقوى , غير انها عوضت الخلل المادي في موازين القوى بالثبات والايمان والشجاعة والتصميم الامر الذي اوصلها دائما الى النصر , وعلى من يتذكر غيرذلك ان يخبرنا ويصحح لنا ..‏

الأكفأ والأجدى‏

في واقع الضعف العربي والقوى الغاشمة المتربصة بنا تكون ثقافة المقاومة هي الاكفأ والاجدى والمقاومة لا تعني فقط الانخراط في الحرب وانما ايضا التربية على المقاومة ونشر ثقافة المقاومة على نطاق واسع في المجتمع الاهلي والمدني العربي, وثقافة المقاومة تعني الايمان بقدرة المقاومة, واحتضان المقاومين , وتحمل التبعات الممكنة للمقاومة والصبر عليها وتكوين الرأي العام والمؤمن بها , والبيئة الاجتماعية الحاضنة لها , وتوفير كل ما يساعد المقاومين على الاستمرار والصبر وفضح القوى الصامتة والمتخاذلة والمتواطئة تلك هي عناصر ومفردات ثقافة المقاومة.‏

وفي واقع الضعف العربي الراهن فإن ثقافة المقاومة هي البديل الممكن, وهي منحى التغير العربي الذي لا بد منه للاستجابة لتحديات العدوان على وجودنا وامننا وارضنا , والمقاومة هي سبيل استعادة كرامتنا , انها مشروع وجودي شامل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا واعلاميا .‏

ويختم د. سمير حسن بالقول:‏

إن ترسيخ هذه الثقافة هو مطلب وجودي للعرب اليوم وهو الضمانة لاندماج الجماهير بالمقاومة كما هو الضمانة الاكيدة لردع من يمكن ان يفكر بالاستهانة بحقوقنا وبقدراتنا, وهو في نفس الوقت ضمانة فشل اكيد لكل من يفكر بعزل المقاومة عن جماهيرها وعن من تقاوم لأجلهم ..‏

***‏

ثقافة المقاومة والظروف الراهنة‏

ويعرف د. محمود الربداوي ثقافة المقاومة هي فلسفة المقاومة‏

لماذا تكون المقاومة ومن اجل ماذا , وهو مصطلح فرضته الظروف الراهنة على المنضوين تحت شعار المقاومة, وتأتي بمقابل ثقافة التخاذل والاستسلام والهزيمة والدولة ودعاتها التي يمارسها الصمت العربي الذي انفصم حكامه عن شعوبه وتطلعات هذه الشعوب واحلامها.. وثقافة المقاومة استلزمتها مرحلة الصراع التي فرضت على مجتمعات العالم الثالث حيث يمارس فيها الظلم والارهاب والسيطرة وقوة النفوذ واغتصاب الارض بالقوة, ومظلوم لا حيلة له إلا المقاومة ورفع القهر والظلم والعدوان, وينشد حقه في الحياة والبقاء وهي تتمحور حول قضية وطنية او قومية او انسانية, فلا بدان يكون وراء ثقافة المقاومة ايديولوجية معينة, فالمقاومة تغدو مع هذا منظمة لا مقاومة( ميليشيات) او عصابات.. فالمقاوم هو مثقف يعرف كيف يتعامل مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وماشابه ذلك . وقد انطلقت ثقافة المقاومة من مفكرين‏

-رد فعل للارهاب الذي وضعت به المقاومات, وبثقافة اخرى مضادة لثقافة المقاومة هي ثقافة الاستسلام والتخاذل وثقافة الهزيمة التي تعيشها الامة العربية الآن.‏

لذا عندما يوجد في مجتمع او بيئة معينة ظالم يمارس الارهاب ومظلوم يجب ان يمارس المقاومة ويثقف اتباعه لكي يكونوا عند حسن الظن..‏

وبهذا تصبح المقاومة العربية أي كان موطنها درعا من دروع الامة يقيها من السقوط والانهيار فالمقاومة ليست هوايتها القتل والتدمير الا للأعداء والظالمين والمغتصبين والعملاء فالمقاومة هي النقطة المضيئة في ظلام مسيرة الامة.‏

***‏

ممارسة انسانية‏

يعرف د. عبد النبي اصطيف رئيس قسم اللغة العربية في جامعة دمشق المقاومة بأنها ممارسة انسانية تسعى للحفاظ على حقين اساسيين من حقوق الانسان وهما حقه في الحياة وحقه في الحرية وكلاهما منحة الهية ولا فضل لأحد فيهما على الانسان وبالتالي ليس لأحد ان يسلبهما منه تحت اية ذريعة.‏

وبما ان المقاومة ممارسة انسانية فهي تعبير عن تمسك الانسان بحقه في الحياة والحرية,ولذلك فإن علينا ان نرسخها في وعي الفرد والمجتمع لتغدو في النهاية مكونا اساسيا من المكونات الثقافية لكليهما, وبعبارة اخرى ينبغي ان ننشر ما يمكن تسميته ( ثقافة المقاومة)( في مجتمعنا العربي ما دام هذا المجتمع يخضع لتحديات مستمرة تريد ان تسلبه حقه في الحياة والحرية معاً.. وربما كان من ابرز هذه التحديات العدو الصهيوني, الذي ما فتئ يعمل, منذ زرعه في فلسطين بمساعدة الاستعمار القديم ودعم متواصل من الامبريالية الجديدة والامبراطورية الاميركية المعاصرة, على تهديد حياة المواطن العر بي من جهة,وذلك بالسعي الدائب لتطهير الارض العربية من سكانها بالتهجير والطرد والقتل وعلى سلبه حريته من جهة اخرى باحتلال ارضه والسيطرة على ما فيها من ثروات وقمعه والتحكم بمصيره.‏

ويضيف د.اصطيف ان ترسيخ ثقافة المقاومة ينبغي ان يبدأ من الاسرة بنفي الظلم عن اي وجه من وجوه الحياة فيها , ويستمر بعد ذلك في المدرسة والحياة والمجتمع لينتهي بمختلف الانظمة التي تحكم حياة هذا المجتمع والتي ينبغي ان ينتفي فيها الظلم تماماً, وحسبنا ان نذكّر في هذا السياق بالحديث القدسي الذي رواه نبينا محمد (ص) عندما قال عز وجل ( يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).‏

فبعداً للظلم, ولتحيا المقاومة, وصبراً ايها المجاهدون فالنصر آت لا ريب فيه..‏

***الانسان مفطور على الارتباط بالارض‏

وفي وقفة مع الدكتور توفيق داود (قسم الاجتماع) جامعة دمشق نعرض لمفهوم المقاومة وثقافتها والقضايا الهامة التي اسست لها يقول :‏

ثمة عوامل هامة اسست لفعل المقاومة أولها ان الانسان مفطور على الارتباط بالارض لا سيما التي يبصر فيها العالم , وتنشأ عنده علاقة حميمية بينه وبين موطنه الذي يهبه الامان والسلام والطمأنينة, والامر الثاني ان العرب مسلمين ومسيحيين يواجهون في فلسطين وسورية ولبنان وفي بلاد عربية اخرى حرباً ضروساً تشن عليهم لتأخذ حدين اثنين اما الموت او العبودية والاذلال والمجازر الدموية اليومية في فلسطين ولبنان والجولان السوري المحتل والاستهداف الاسرائيلي لرموز الشعب الفلسطيني اصدق دليل على ان ما تشنه اسرائيل على العرب عامة وعلى الفلسطينيين خاصة هو حرب ابادة بكل معنى الكلمة.‏

اضافة الى احساس المواطن العربي بالاحباط وعدم الاستقرار في ظل هيمنة صهيونية غربية في المنطقة وما ولده ذلك من ضعف واحساس بالدونية وعدم الثقة بالنفس.‏

ومن الاسباب التي أسست لفعل المقاومة وصول الانسان الى يقين لا ينازعه شك ان السلام المزعوم مع اسرائيل هو نوع من الخزعبلات فما لم تستطع أخذه اسرائيل بالحرب تسعى الى اخذه بما اصطلح عليه السلام والاصح ( السلام المفقود) لأنه من اراد سلاماً حقيقيا سلام الشجعان سلام الحق سلام الكرامة واحقاق الحقوق لم تقم اسرائيل معه سلاما.‏

ويتساءل د. داوود أليس من الذل والمهانة ان تستباح عاصمة الدولة العربية في بغداد وما تلاها من فظائع وجرائم اميركية اسرائيلية في سجن ( ابو غريب) وغيرها من المعتقلات .. أليس من الذل والمهانة ان تقدم بعض الانظمة العربية وبعض مقامري السياسة في لبنان غطاء شرعيا للعدو في ابادة الشعب اللبناني والفلسطيني.‏

ولم يعد خافيا على أحد ان المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني يراد له ( التنفيذ بغطاء عربي أولاً ودعم غربي اميركي ثانياً وتنفيذ صهيوني ثالثاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية