تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ثقافة المقاومة.. الظاهرة والاستثناء..

آراء
الاربعاء 9/8/2006م
يوسف مصطفى

الحديث عن المقاومة الوطنية اللبنانية وتجلياتها الرائعة يعني الحديث عن ظاهرة استثنائية خاصة.. تأتي استثنائيتها أنها ولدت وكبرت في هذا الزمن العربي الرديء زمن ليل / كامب ديفد/. وظلامه الثقيل.. الاستثنائية أيضاً هو في نمط هذه المقاومة وجاهزيتها من حيث: تنظيمها .. طاقاتها.. دقة أدائها, سريتها إلخ.

الاستثنائية أيضاً هي في تأثيرها الكبير في إعادة الأمل للجماهير العربية وسط كل مناخات الإحباط واليأس..‏

الاستثنائية الأهم أن هذه المقاومة شكلت /أنموذجاً/ صالحاً للاقتداء والتأسيس لمقاومات أخرى في كل أنحاء الأراضي المحتلة, والعالم أيضاً.. هذه المسألة:( مسألة أن تعمم الظاهرة), وثقافة الظاهرة الذي تخشاه أمريكا, والغرب والنظام العربي الذي يتحالف مع الغرب وأمريكا إلا القليل من الأقطار العربية.‏

لقد أصبحت هذه المقاومة( حالة استراتيجية كبيرة) وليست عملاً محلياً.‏

أصبحت جزءاً كبيراً من معادلة الصراع في المنطقة, ونتائجها حتى في العالم.. دراسة ظاهرة المقاومة, والتثقيف بها,وقراءة دروسها واستيعاب هذه الدروس.. هو واجب فكري ونضالي ومشروع في ثقافة الأمة, وثقافة الأجيال..‏

السؤال: ما هذه الثقافة/?.. ما عناصرها ومحاروها?..‏

يتفق جميع الدارسين: إن لكل نمط سلوكي ثقافته مثال: ثقافة المحبة والتسامح بين الناس أساسها ديني إنساني قوامه : الدفع بالخير ( ادفع بالتي هي أحسن).. ثم الغفرانية, والتسامح والمحبة دعاة هذه الثقافة رجال الدين, دعاة المحبة والانسانية, تجلياتها الانفتاح على الآخر قبول الآخر, الحوار مع الآخر..‏

ثقافة المقاومة: هي قديمة كأساس فكري في حياة الشعوب.. مبدؤها:‏

الدفاع عن النفس, والدفاع عن الوجود, والدفاع عن الكرامة, عن العرض وعن الأرض... هذه القضايا وعي ذاتي انساني, وهو فطري, وغرائزي في الطبع الانساني... وثقافته هي ثقافة الكرامة والدفاع عن الوجود.‏

تطورت ثقافة المقاومة مع مجيء الرسالة الاسلامية فأخدت بعداً ايمانياً, عقائدياً, جهادياً تجلى في شكلين: الأول الفتوحات الاسلامية في سبيل نشر الدعوة الاسلامية, المستوى الثاني هو الدفاع أمام الهجمات الخارجية, وحماية الثغور كما في أيام (سيف الدولة) وغيره.‏

المقاومة بالمفهوم الأوسع ليست عسكرية فقط... إن كل أشكال الممانعة للاحتلال, والمقاطعة لأدواته, وعناصره, وعدم التسليم بنتائجه, كذلك المقاومة الاقتصادية لبضائعه, ومنتجاته, وبالتالي رفض سياسات الأمر الواقع... كل هذه القضايا هي عناصر هامة في ثقافة المقاومة كحالة وعي جماهيري له تجلياته العملية السلوكية.‏

في تقديري ولا أقول جديداً: شكلت حالة المقاومة اللبنانية نوعا من (استعادة الوعي العربي) وسط مناخات اليأس والاحباط, وأسست لثقافة (الأمل والتفاؤل) بامكانية التحرير والنهوض... لا يخفى المعنى الكبير (لاستعادة الامل) في فتح آفاق جديدة في الحياة العربية, والزمن العربي, واعادة بناء حالة (احيائية) بكل ابعادها الاجتماعية والثقافية... بالتالي النفسية في المساحات العربية,‏

من العناصر الهامة في ثقافة المقاومة (تربية الارادة) والارادة فعل انساني عناصره: الثبات و الاستعداد للتضحية, وطرح الخوف والقلق والتردد, الارادة فعل نفسي (سايكلولوجي) تجلياته الحركية: الاقدام, الجرأة .., من مكونات الارادة الايمان بالهدف ووضوح الرؤية من عناصر ثقافة المقاومة (اليقظة والتنبه) ومتابعة المحيط, ومايجري فيه... ثقافة اليقظة تقتضي الحذر, والمراقبة, والانتباه الدائم... ثقافة المقاومة (ثقافة لا تساوم) على المبادئ, والقيم والاساسيات تنتمي للوطن, والوفاء لترابه.‏

من أساسيات ثقافة المقاومة/ الصبر/ كقيمة.. وكطاقة تحمل, وحالة تروي والبعد عن الانفعال.. وبالتالي سعة الصدر.. الجرأة والإقتحام..معادلة الموت هي عادية عند هؤلاء المقاومين.. القدوة والمثل, ودور الريادة الاجتماعية / الأنموذج/ في تقديم الهداية, والدليل.‏

أية مقاومة في العالم تحتاج الإسناد, والدعم من محيطها, ومجتمعها تحتاج لما يسمى ثقافة العمل الجمعي التحالفات والمرونة في نسجها, وتأمين الالتفاف الشعبي الجماهيري حولها..‏

إن برنامج المقاومة اللبنانية هو برنامج مركب يحمل مهمات التحرير الوطني والاجتماعي معاً فهو معركة ضد( العدو والاحتلال, وهو معركة ضد الاستغلال, وقوى الهيمنة الإقتصادية, والسلب والوقوف الى جانب الطبقات المحرومة وحاجاتها اليومية, وحقوقها الانسانية في الساحة اللبنانية.. برنامج المقاومة اللبنانية برنامج سياسي أعاد التوازن للحالة اللبنانية باتجاه عروبة لبنان ومحيطه ,وهويته, ودوره, واستبعاده عن أن يكون كيانا وظيفياً للإرادات الغربية وتحديداً الأمريكية في المنطقة ومشاريعها الاستعمارية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية