تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأزمة في سورية.. آفاق الحل ومطبات العرقلة

متابعات سياسية
الأحد 21-12-2014
عبد الحليم سعود

على الرغم من الآمال الكبيرة التي يعلقها معظم السوريين على المبادرات الداخلية الإيجابية التي تصب في خانة الحل السياسي للأزمة في سورية، وعلى المبادرات الخارجية والجهود الدولية التي تبذل في هذا الاتجاه من قبل الأصدقاء الروس والإيرانيين،

إلا أن الواقع الإقليمي والدولي يفرض معطيات أمنية وسياسية واقتصادية غير مساعدة وغير مبشرة بإمكانية التوصل إلى مثل هذا الحل، ولا يؤشر إلى إمكانية اجتماع كافة الأطراف المتداخلة بالأزمة على طاولة واحدة لإنتاج الحل السياسي المنشود الذي من شأنه التمهيد لعودة السلام والاستقرار للمنطقة ووضع حدّ لكابوس الإرهاب الذي يشغل ويقلق معظم دول العالم بما فيها الدول المساهمة فيه والداعمة والمصدرة له، وهو ما يعطي انطباعاً سلبياً حول نية بعض الأطراف المؤثرة  ـ ولا سيما حلف التآمر والعدوان الداعم للإرهاب ـ الدخول في لعبة عض أصابع جديدة إلى حين توفر معطيات جديدة تسمح له بتحسين شروطه والتخفيف من تداعيات هزيمته المحتملة.‏

 ولكن قبل الخوض في آفاق الحل السياسي والفرص الحقيقية المتاحة أمامه في ضوء الجهود التي تعمل عليها بدأب كل من موسكو وطهران بالتوازي مع مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا التي تعكس في مضمونها رغبة دولية ظاهرية بالتوصل إلى الحل لا بد من التعريج على المناخ العام إقليميا ودوليا لاستشراف عناوين المرحلة المقبلة، أمنياً نجح الإرهاب المدعوم عربياً وغربياً والمسكوت عنه أممياً في توسيع دائرة استهدافه للمجتمعات ورفع من منسوب الخوف والقلق والتوجس العالمي بعد عدة حوادث إرهابية ضربت أماكن متفرقة من كرتنا الأرضية في العراق ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان ونيجيريا وكندا واستراليا..إلخ، ما عكس فشلاً غربياً في التعاطي مع هذه الظاهرة المتصاعدة رغم حملات الاستنفار والاستعداد التي أعلنتها الكثير من الدول وكان من نتائجها قيام تحالف دولي بقيادة واشنطن لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، سياسياً ما تزال الخلافات بين روسيا والغرب على أشدّها في العديد من الملفات وخاصة ملف أوكرانيا والأزمة في سورية والحرب على الإرهاب، وإن كان هناك بعض التعاون والتنسيق في ملف البرنامج النووي الإيراني، خلافات تفوح منها رائحة حرب باردة جديدة تعرقل حل الكثير من الأزمات التي يعيشها عالمنا المعاصر، اقتصادياً فرض قيام بعض الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية بالتلاعب بأسعار النفط عبر زيادة الإنتاج والمحافظة على خط بياني هابط للأسعار حالة من التوتر بعد أن أدى هذا السلوك الانتهازي المدفوع بخلفيات سياسية إلى خسائر كبيرة أثرت سلبا على اقتصادات العديد من دول العالم وعلى رأسها روسيا، الأمر الذي أدى إلى حالة عطالة مؤقتة في العديد من الملفات الدولية ومدد عمر الأزمات إلى آجال غير محددة ومنها الأزمة في سورية.‏

 فمن المسلم به أن الحل في سورية لم يعد مقتصراً على السوريين أنفسهم وإن كانوا الأصلح والأقدر على إنتاج حل يلبي تطلعاتهم ومصالحهم، ولو ترك الأمر لهم منذ البداية لما وصلت الأزمة إلى ما وصلت إليه اليوم، فالتدخل الخارجي المباشر وتوفير الدعم والتسليح والتدريب والتغطية للتنظيمات الإرهابية والعناصر التكفيرية من قبل دول عربية وإقليمية وغربية نقل الأزمة من ضفة إلى أخرى وفتحها على سيناريوهات لم تكن بالحسبان، ليجد الحاقدون والطامعون والظلاميون فرصتهم السانحة للانقضاض على آخر حصون العرب المقاومة خدمة للكيان الصهيوني المحتل والمعتدي والمتربص دائماً، وعليه فإن المشاركة في الحل يجب أن تشمل كل الأطراف المتدخلة، بحيث تمتنع الدول الراعية للإرهاب وفي مقدمتها السعودية وقطر وتركيا والأردن وبعض الدول الغربية عن ممارسة هذا الدور القذر، ويعاد النظر بمسألة الحرب على الإرهاب فلا تتحول إلى مسألة مزاجية وبيئة للتوظيف الضيق والاستغلال الرخيص كما تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها، إذ ليس من المعقول أن يُحارب تنظيم داعش الإرهابي في مكان ويدعم في أماكن أخرى، وليس من المنطقي أن يتم تجاهل ما تقوم به باقي التنظيمات الإرهابية من جرائم ومجازر أو يتم التعاطي معها على أنها «معارضة معتدلة» يجب أن تكون جزءاً من طاولة حوار، فالإرهاب لا ينفع معه أي حوار أو تفاوض لكونه فكراً ظلامياً إقصائياً منغلقاً مبنياً على رفض الآخر والتخلص منه، وليس من المنطقي الدعوة إلى «تجميد القتال» في مناطق يحقق فيها الجيش العربي السوري انتصارات متلاحقة على الإرهابيين، لتتمكن دول وجهات أخرى باستغلال الموقف ومن ثم نقل القتال إلى مناطق أخرى كي يتمكن الإرهابيون من تعويض خسائرهم وفرض وقائع جديدة..!!‏

 ولكي تنجح أي صيغة مقترحة للحل يجب أن تتوفر ضمانات دولية بألا تسعى أي جهة لإجهاض هذا الحل كما تفعل إسرائيل الخارجة على القانون والشرعية الدولية والتي تتصرف كما لو أنها فوق الجميع، وأن يتم الضغط على أي جهة معرقلة للحل كما هو حال تركيا وبعض المشيخات الخليجية، بحيث يتم فرض عقوبات أممية على كل من يدعم الإرهابيين ويسهل وصولهم إلى سورية أو المنطقة، والأهم من ذلك ألا يكون الإرهابيون أو الناطقون باسمهم جزء من أي عملية سياسية تحت أي مسمى، فهؤلاء يجب أن يشملهم بند مكافحة الإرهاب لا غير، في حين يقتصر حضور ومشاركة المعارضة على الجانب السياسي والوطني، لأن الإرهابيين القادمين من نحو ثمانين دولة لا تعنيهم سورية ولا يعنيهم التوصل إلى حل لأزمتها، فهم مجرد أدوات خارجية مهمتها تنفيذ أجندات بعيدة كل البعد عن مصالح السوريين وطموحاتهم.‏

 يمكن القول أن الحل السياسي ممكن شريطة أن تبذل جهود حثيثة وصادقة من قبل أصحاب الشأن وأن تتوفر بيئة دولية وإقليمية مساعدة، وما من شك أن السوريين أحوج ما يكونون إلى هذا الحل وهم جديرون به في ضوء الصمود الأسطوري الذي أظهروه والتضحيات الجسيمة التي قدموها، والجميع يأمل أن تنتصر إرادة الخير على الإرادات الشريرة في هذا العالم.‏

‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية