تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يأتي ميلادك.. والإرهاب التكفيري طوفان

إضاءات
الأحد 21-12-2014
سلوى خليل الأمين

تمر السنوات وميلادك يطل علينا مجللا بالحزن وبطوفان الإرهاب التكفيري المصدر إلينا من دول تدعي محبتك، فميلادك أيها السيد المسيح عيسى بن مريم، أهدى العالم الكلمات النور،

عل الشيطان الرجيم يذهب إلى غير رجعة من نفوسهم المملوءة بالشر، لكن البغي ما زال قائما، والنفوس التكفيرية ما زالت مسكونة بجاهلية العصور، البعيدة كل البعد عن تعاليمك الإلهية. إذ كيف يمكن لعاقل أن يستسيغ ما يجري في منطقتنا العربية من عصابات الإرهاب التكفيرية التي أوجدها الغرب الذي يتبع هدي رسالتك الإيمانية بكل مشهديات الإجرام المزنر بالقتل والذبح وانتهاك حرمة الكنائس والمساجد وكلمة الحق التي هي نور السموات والأرض!‏

المؤسف أنهم يتكلمون عن الرحمة والتسامح والمحبة وحقوق الإنسان، وهم أبعد ما يكونون عن هذه المزايا التي يجب أن تطبق على الأرض، ليس فقط في بلادهم كما نلمس حين نقصدها زائرين، وإنما الرحمة يجب أن تلحق شعوب الأرض قاطبة، هذا إذا كان الإيمان بحقوق الإنسان بالعيش بسلام في وطنه سلوكا وصراطا مستقيما.‏

فماذا يعني أن يرتاح الشعب الأميركي والشعب الأوروبي في بلده، ويملأ الشوارع والبيوت والساحات بشجرة الميلاد، ثم أن يتم التباري حول إتقان الزينة بالأجمل والأروع مما تطرحه الشركات والمؤسسات التجارية، وملايين الناس في سورية ولبنان والعراق وفلسطين مشردين عن بيوتهم وأرضهم وعائلاتهم وبيوتهم يلتحفون السماء ورحمتها، علما أن المسيح هو ابن هذه الأرض التي منها انطلقت الرسالات السماوية، ومن دمشق بالذات انطلقت عظمة تلك الرسالة التي أخضعت العالم إلى مضامينها النيرة عبر القديس بولس الرسول.‏

الغرابة هو هذا الكيل بمكيالين بين شرق وغرب وجنوب وشمال، بحيث إن العدالة تنفذ في مطارح الأقوياء والعكس هو الصحيح، فحين يتكلمون بالحرية والديمقراطية يمارسون عكسها في بلادنا،فالناس في سورية تذبح وتهجر على هويتها الدينية والمذهبية المناوئة للعصابات الإرهابية من داعش والنصرة وأخواتها، وعناصر الجيش اللبناني أسرى منذ شهرين وأكثر، والانتقام من شجرة الميلاد في مدينة صيدا الجنوبية اللبنانية أصبح هدفا لحريق أو تهشيم أو ما شابه، وفي بلدنا من يدعي التوافق مع النصرة وداعش وحتى مع من يدعم إسرائيل جهارا، دون خشية من دين أو إيمان أو إحساس وطني قومي معمق..‏

لقد أصبحت منطقة بلاد الشام، منطقة يسوع الناصري على كفوف الشياطين ومطية للحقد والضغائن والانتقام المرفوع على أسنة حراب الإرهابيين المأجورين، الرافعين راية الإسلام تكفيرا مدروسا في سجن غونتانامو وسجن أبو غريب الذي فيهما تم تدريب أولئك السجناء على العمالة والإرهاب، ومن ثم استعمالهم وقود معارك تدميرية وتهجيرية في منطقة بلاد الشام، انتصارا لإسرائيل وترسيخ ثباتها في فلسطين إلى الأبد.‏

خلال وجودي في العاصمة الأميركية واشنطن، سألت أحدهم وهو في مركز سياسي مرموق وفعال : أنتم في داخل بلادكم تستقبلون المهاجرين من كل أقطار العالم دون السؤال عن هويتهم ومذهبهم ومعتقداتهم وتعطونهم نفس الحقوق المتوجبة للمواطن الأميركي، ومن يأتكم يتمنَّ أن يقضي الحياة بطولها في بلادكم في الوقت ذاته تحرمون شعوبنا من الأمن والآمان، تتآمرون علينا،تسلحون وتدعمون مرتزقة العالم من إرهابيين من أجل قتل الناس بالجملة في سورية ومصر والعراق، ولبنان حيث تنشرون الفتنة بين المذاهب كي يدب الذعر بين أبناء الوطن الواحد، علما أننا بمعظمنا نؤمن بأن الفتنة أشد من القتل، ومن ثم تطالبون حكام الدول العربية المقاومة بإجراء إصلاحات شعارها الحرية والديمقراطية والعدالة، في الوقت الذي لا تطلبون الشيء نفسه من دول الخليج الغارقة في نهب ثروات شعوبها، والبعيدة كل البعد عن الديمقراطية وأيضاً تدعمون إسرائيل التي اغتصبت أرضا ليست لها، وهجرت بشرا تنطبق عليهم شرعة حقوق الإنسان؟ أجابني وهو من أصل عربي، لكنه مخلص للوطن الذي منحه جنسيته ومرتاح لكل الحقوق التي ينعم بها: كل ما قلتيه صحيح، نحن ما زلنا نؤمن بصراع البقاء، الإنسان منذ عهد الأخوين قابيل وهابيل مارس هذا المفهوم، والبشر مهما علت رتبهم العقلية والمعرفية تبق سلطة القوة هي الأميز في مجرى الحياة، إسرائيل في قلب منطقة الشرق الأوسط حاجة أميركية مثل القواعد العسكرية التي ننشرها في موانئ الخليج العربي، حرصا على منافذ البحار التي منها تنطلق الشرارات، ثم ما رأيك لو تركنا هذا الخليج يتصرف بالنفط على هواه، ألم يفعلها الملك السعودي فيصل في العام 1973 حين تم إيقاف ضح النفط ردا على العدوان الإسرائيلي على سورية ومصر ؟ يا سيدتي المطلوب تركيع كل من يقاوم إسرائيل ومن خلالها تركيعنا، حتى السعودية لو رفعت رأسها يوما ضدنا فسيكون التقسيم والدمار نصيبها وهذا ليس ببعيد.‏

بعد كل ما سمعته وأنقله حرفيا، أليس المطلوب من أولئك الذين يدعمون العصابات الإرهابية من داعش وأمثالها التيقظ لما قد يصيبهم في المستقبل من طوفان لا يبقي ولا يذر، وهو ليس ببعيد.. وأليس المطلوب العودة إلى تعاليم الوفاق والتواصل الرحمي كي يقوى ساعد هذه الأمة؟ نأمل في عيد المخلص أن تخلص النفوس الشريرة من أحقادها، كي لا يجرفهم طوفان العصابات التكفيرية الذي لاحت تصاويره في استراليا وبلجيكا مؤخراً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية