تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غريب أمر الألقاب...!

ثقافـــــــة
الخميس 14-6-2012
حكيم مرزوقي

ترى..لو قدّر للواحد أن يسمّي نفسه بنفسه ويلقّبها بمزاجه ...ماذا كان سيفعل؟

جواب:حتما سوف يلقّبها بأجمل الأسماء في نظره وأبهاها...ولكن بعد تفكير عمر بأكمله ,وربّما –بل على الأغلب-سوف ينتهي العمر وهو يفكّر في اسم يليق بعمره الحائر ..صحيح,كيف نترحّم على من لا اسم له!؟ وهل الشواهد هويات من رخام .‏

إذا لقّبت نفسك أو لقّبتها (مكسورة) بالنابغة مثلا أو سندريلا أو هرقل أو الشاب الظريف أو...هل سينظر إليك الآخرون ويعاملونك على أساسه ؟‏

صحيح أنّ ( أهالينا تعبوا )في البحث عن أسمائنا ولكن كي لا يكلّفونا مشقّة البحث دون جدوى وربّما شاءت الأقدار أن تمنحهم حدثا أو موسما فتريحهم من عناء البحث مثل:عيد,رمضان,ميلاد,ربيع .الخ أو حتّى طرق بابهم ضيف ,ساعتها يصبح حظّك من اسم ضيف أهلك البشوش .‏

غريب أمر الألقاب ,إنّها أكثر حفظا وأسلس سمعا من الأسماء ,بل هي أبقى من صاحبها ومطلقها ...لعلّها إعادة تصحيح للأسماء ...أو هكذا شاء الآخرون أن يروك وليس من حقّك الاعتراض أو التشكّي.‏

تأتي الألقاب للتكريم أو التندّر أو التفكّه أو حتّى الانتقام ,ذلك أنّها تسري في هشيم الأجيال ولا يوقفها إلاّ وارث الأرض ومن عليها.‏

أطرف الألقاب وأغربها هي تلك التي يطلقها الظرفاء على الظرفاء في الأوساط والمجتمعات الصغيرة مثل حيّ شعبي في قاع مدينة عريقة أو ضيعة نائية في أطراف ريف حالم.‏

كما أنّها تكثر حينما تتشابك العلاقات ويتسامر الناس ويحتكّون مع بعضهم البعض, في حين أن لا وقت لمدن المال والأعمال تضيّعه في إطلاق الألقاب ,إنّها تصنع الأرقام والتجهّم والأمراض النفسيّة.‏

أمّا في بيتنا الطيبة البسيطة (أيام زمان طبعا) فلا يكاد الواحد ينجو من لقب يرافقه في حياته وفي مماته فيقبله عن طيب خاطر وقد يغدو (كنية) تسجّل في دائرة النفوس وتثبّت على هويات الأحفاد .‏

قديما تصالح الكثير مع ألقابهم بل وصارت لهم ولذريتهم مصدر فخر واعتزاز كالأعشى والمتنبي والجاحظ والفرزدق وأبي نواس والحطيئة وغيرهم من الذين تأبّطوا هذه الألقاب و عاشوا في بيئة شفهيّة لا وجود فيها للأوراق الثبوتيّة .‏

أمّا في العصر الحديث ,وبعد أن دخلت صناعة الألقاب(خصوصا الفنيّة منها) غرف عمليات التجميل وأمست دعاية فجّة من تخصّص مديري الأعمال بمنطق البورصة, فقدت الألقاب نكهتها وطرافتها لأنّها ببساطة لم تعد صادقة , كما كان يطلقها الناس الشعبيون بحسّهم العفوي ونباهتهم النادرة وحتّى مكرهم الجميل.‏

يعجبني المطربون الشعبيون الذين جعلوا من ألقاب الدراسة التي لم يوفّقوا فيها والحارات التي تربّوا فيها وحتّى السجون والإصلاحيات التي دخلوها بخطأ أو من دون خطأ ,جعلوا من هذه الألقاب وساما على صدورهم المليئة بمحبّة أهل الحارة(بالشامي)والحتّة(بالمصري)والحومة(بالتونسي).‏

لن أذكر أسماء منهم كي لا يتّهمني بعض النخبويين بالسوقيّة والدعاية لألبوماتهم....لكنّي أحبهم شخصيّا ,لأنهم صادقون ويشبهون بيئتهم.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية