تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية الوطن.. ومعادلتي التغيير أو التدمير

شؤون سياسية
الخميس 14-6-2012
بقلم الدكتور فايز عز الدين

ما أصبح يثير الدهشة, ويجعل المواطن قبل المتابع السياسي, والمحلل, والقريب من أروقة القرار في سورية هو أن المسألة السورية اليوم رفعوها لتكون قصة الإنسان المعذب الوحيد على هذه الكرة الأرضية حيث إن المواطنين المدنيين يذبحون

هكذا بكل منطق إجرامي حاقد على الشعب وعلى الحراك الوطني لهذا الشعب وصولاً إلى الدرجة التي صار الذبح والقتل والتدمير لا يستثني من الناس الأطفال والشيوخ.‏

ومن الوطن أنابيب الغاز والبترول, ومحطات الكهرباء, والمدارس, والمستشفيات حتى الجمعيات الخيرية.والأكثر غرابة بين المعادلتين المشار إليهما ( التغيير أو التدمير) هو أن الذي تقرر من المعنيين بالشأن هو ذبح الآمنين في بيوتهم, واختطاف الذين ليس لهم عناية, أو دور وهم مجرد مواطنين يسعون من أجل أرزاقهم وعيالهم ويضاف إليه تدمير الشارع, أو الحي, أو المؤسسة على رأس من فيها دون تفريق سواء أكان المارون مع الدولة والوطن, أو كانوا من الذين يعارضون؛ وهنا لو رجعنا إلى قصة التظاهر الحق الذي طالبوا به من أجل تغيير آليات العمل في الوطن والانتقال إلى المزيد من التعددية السياسية والحزبية, والمزيد من الشراكة الوطنية في الوطن الواحد الموحّد لرأينا أن الذي كانوا يسمونه أهم معادلات التغيير والانتقال إلى تحسين أداء الدولة ومن ثم الأطر الشعبية للعمل الوطني لم يعد من مطالبهم حين حققته الدولة بمراسيم ومارسته في الحياة الوطنية بما يمثل الصورة الجديدة لسورية المتجددة.‏

وقد استغربنا أن ظهور أكثر من عشرة أحزاب جديدة لا يعجبهم وارتفع سقف المطالب بما يوحي بأن هذا السقف هو خيار الشعب في مرحلة ما بعد المراسيم والتحولات التي تمّت من قبل الدولة. وحين يكون لكل معادلة من المعادلتين الآنفتي الذكر قواها الحيّة على الأرض السورية, وكل قوة تسعى إلى دفع عجلة الواقع السوري كي تتحرك بإرادتها, وبما يخدم استهدافها فالدولة لم تحقق ما حققته لولا أن الشعب قد ساهم فيه, ووضع رأيه بالحرية التي يريدها, والتغيير هنا يمثل إرادة شعبية متأصّلة في طبع السوريين الذين كانوا ومازالوا يرغبون بالتجدد, والتغييّر تحقيقاً لمستويات طموحة في أسلوب حياتهم ومؤسسات بنائها سياسياً واقتصادياً, واجتماعياً, وحقوقياً, وثقافياً, وأخلاقياً, وكان هذا ما يطلق عليه, ومازال يطلق ( الفرادة السورية في التفكير والتعبير) ومن العجيب أن الذين افترضوا أنهم هم الذين يمثلون الشعب بقواه الكبرى, فرضوا على الشعب – الذي يسمونه شعبهم وهم ممثلوه – خيارات ليس لها, أو فيها من سوى الموت والتدمير شيء.‏

فما معنى الحراك الشعبي حين تدمّر الأحياء على من فيها, وما معنى منع طلاب المدارس والجامعات والموظفين ومؤسسات التعامل مع عِلْمِ المواطن, وعيشه, وتأمين احتياجاته من العمل ؟! وبعد الوصول إلى هذه المرحلة من محاولة تعطيل الحياة السورية قد يقول قائل: إن هذا الطريق هو الطريق الوحيد لإسقاط الدولة وهنا ليس شرطاً أن يبقى المواطن آمناً, أو يأكل, ويتعلم, ويربي أطفاله فالغاية التي هي تدمير الدولة هي أهم من كل شأن للمواطن, والغاية في حريّة هذا المواطن أهم من مستقبله, وهنا صار المواطن السوري يتمزّق بين مطامح الحرية التي عرفها, وناضل من أجلها, وحقق منها ما جعله بهذه الحالة الوطنية الاجتماعية الآمنة والمستقرّة حيث كانت كل مصادر عيشه مأمونة تصله بدون انقطاع هاهي اليوم في جو الحرية المأمولة تنقطع ومعها كافة أسباب حياته, وأشكال وجوده على هذه الأرض الطيبة.ومما صار يزيد من فرح المواطن ( الشعب الذين يتحدثون عنه ) هو أن جمعيات مثل ( إسرائيل من أجل سورية) صارت مهتمَّة به وتحاول أن توفر له أسباب حياته.‏

فإسرائيل من أجل سورية على لسان بيريز ونتنياهو, وشاؤول موفاز وداني يعالون صارت مهتمة بحياة شعب سورية, ولو أن حرية من تحت الاحتلال في الجولان غير مهمة, وباتت إسرائيل تنتظر تصريحات القادمين بالحرية لشعب سورية ( المسجون, المقهور) بأن الصداقة مع إسرائيل سوف تنقل هذا الشعب إلى الحرية, إذاً؛ الحرية هي التحرر من الحقوق الوطنية, وهي التحرر من السيادة والاستقلال, وهي التحرر من الإرادة وإعطاء العدو مفاتيح وجودنا المشترك ومصيرنا الواحد, فالعدو الصهيوني محبٌ, وكيانه عطوف ولو هوّد الأرض في كل شبرٍ يحتله, فالمشكلة ليست بالتهويد المشكلة بالحرية للسوريين والتجديد.‏

لم يعد لدى الذين يمتلكون الحد الأدنى من العقل الوطني السليم, والوجدان الوطني الصاحي أي فرصة لفهم ما يجري إذ إنه على تحرير الأرض التي تحتلها إسرائيل لا تجتمع الجامعة حتى ولا الأعراب, وعلى تهويد القدس وكل المقدسات وقتل الشعب العربي تحت الاحتلال لا يُظهر الأعراب أي رغبة في تحريض الأمم المتحدة على اتخاذ القرارات تحت البند السابع لكن على تدمير سورية وإزالة الدولة السورية من الوجود واستبدال الجغرافية العربية بجغرافية صهيونية تهبُّ الأعاربُ هبّة رجل واحد فهنا الخدمة الكبرى للصهاينة, وطالما نحن منهم فخدمتهم توجب على النبيل العربي أن يبني خيمة بجوار الجمعية العامة ويرعى مواشي اليهود هنالك. نعم هكذا هي المعادلة, وليس المطلوب التغيير الوطني بالحوار الوطني والتوافق لكن المطلوب هو التدمير للوطن والتسابق لخدمة إسرائيل, والأغرب أن روسيا والصين أصبحتا ضمانة وجود العربي على أرض العرب أكثر من الأعراب أنفسهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية